حين يتعلق الأمر بالتغير المناخي، فإن الخبراء يحذرون من تقلبات عنيفة في الظروف الجوية، وارتفاع منسوب البحار، وارتفاع درجات الحرارة عالميًا. لكن علماء أخرين، وجدوا مؤخرًا عاقبة أخرى للتغير المناخي لم نحسب لها حسابًا؛ إنه يسرق نومنا. فهناك فيض من الدراسات التي تظهر مدى أهمية النوم لصحة الإنسان، وتربط قلة النوم بآثار سلبية منها أمراض القلب، وتقلب المزاج، وبطء التعلم، ومشاكل أخرى لا حصر لها. وكشفت دراسة من “جامعة هارفارد” في عام 2016، أن نوم الطالب في غرفة مكيفة الهواء من عدمه قد يأثر على مستوى أدائه في الاختبار.
دراسة جديدة أجراها باحثون لدى “جامعة كوبنهاغن” على نطاق أوسع تربط أعراض قلة النوم بالتغير المناخي على نحو قاطع، إذ كشفت مخرجاتها أن ارتفاع درجات الحرارة ليلًا يؤخر الخلود إلى النوم ويعجل الاستيقاظ صباحًا. إذ درسوا بيانات تم جمعها من 50 ألف شخص ما بين عامي 2015 و 2017 باستخدام أساور تتعقب نشاط المشاركين، وتتبع أوقات نومهم واستيقاظهم وجودة نومهم خلال الليل. وتشير مخرجات البحث أن المشاركين ناموا بشكل أعمق حين كانت درجة الحرارة الخارجية أقل من 10 درجات مئوية، وعندما تزداد درجة الحرارة عن 10 درجات مئوية فإن فرص النوم أقل من 7 ساعات زادت بشكل ملحوظ، أما حين تزيد عن 30 درجة مئوية فإن المشاركين خسروا حوالى 15 دقيقة بالمتوسط من النوم كل ليلة.
قد لا يبدو فقد 15 دقيقة من النوم بالأمر الجلل، لكن دراسة أخرى تشير إلى أن هذه الدقائق الناقصة تأتي من مرحلة “النوم البطيء”، وهي أعمق مراحل النوم، إذ تلعب هذه المرحلة دورًا رئيسًا في ترميم وبناء الخلايا، وحين نقضي في هذه المرحلة نحو ساعة كل ليلة؛ فإن 15 دقيقة تعد جزءًا كبيرًا منها. كما كشفت الدراسة أن النساء والأشخاص فوق سن السبعين، والأشخاص ذوي الدخل المحدود هم الأكثر تضررًا بهذه الظاهرة.
المثير للقلق أكثر من سرقة النوم بحد ذاتها هو أن أجسامنا غير قادرة على التأقلم بشكل فعّال مع ارتفاع درجات الحرارة، حتى بالنسبة لمن يعيشون في مناخ حار على مدار العام؛ فإن الدفئ المتزايد ليلًا يؤثر في نومهم. فدرجة حرارة جسم الإنسان مضبوطة بشكل محكم، وعند الخلود إلى النوم يقوم الجسد بتبريد الجوف قليلًا ليساعد صاحبه على الغوص عميقًا، لذا فإن ارتفاع درجة الحرارة يقف عائقًا أمام انسلالنا في نوم عميق وهانئ. ويتوقع العلماء أن نخسر نحو 50 ساعة من النوم سنويًا بحلول نهاية القرن الحالي، ما لم يتم عكس آثار التغير المناخي. وهذا السيناريو يعد كارثة حقيقية لصحتنا الجسدية والعقلية.