هل عاشوراء عادة أو العبادة
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم الحرام، أول الأشهر الحرم الأربعة (محرم وذو القعدة، وذو الحجة، ورجب)، التي قال عز وجل فيها: “إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا من كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” التوبة:36.
عاشوراء من أيام هذه الأشهر المعظمة عند الله تعالى، الواجب تعظيمها من طرف عباده. يقول العالم الجليل الطاهر بن عاشور في تفسيره “التحرير والتنوير”، عن العمل الصالح في هذه النفحات الربانية: “إن الله جعلها مواقيت للعبادة، فإن لم يكن أحد متلبسا بالعبادة، فليكن غيرُ متلبس بالمعاصي”. وليس النهي عن المعاصي فيها، يقتضي أن المعاصي في باقي الأشهر ليس منهيا عنها، بل المراد أن المعصية فيها أعظم، وأن العملَ الصالح فيها أكثر ثوابا، ونظيره قوله تعالى: “فلا فسوق ولا جدال في الحج” البقرة:197، فإن الفسوق منهي عنه في الحج وفي غيره، ولكن النهيَ عنه في الحج أشد وآكد.
صادف هذا اليوم عدة أحداث تاريخية، منها خروج النبي موسى وقومه من مصر، ومقتل سبط الرسول صلى الله عليه وسلم في واقعة “كربلاء”.
تختلف كيفية تخليد هذا اليوم عند المسلمين، قسم يحتفي به احتفاء سنيا، بصيامه تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقسم آخر يحتفل احتفالا طقوسيا يتعدى الصفة الدينية، إما بجعله مناسبة لندب الخطيئة التاريخية، في التأخر عن نصرة الحسين رضي الله عنه، بإظهار الحزن والتباكي، وقد يصل الأمر إلى جلد الذات بالسياط. وإما العكس تماما بإبداء كل مظاهر الفرح المتنوعة، كما أن هناك فريقا آخر يستغل المناسبة في أعمال الشعوذة والسحر.
صيام عاشوراء تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم:
حينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجد يهود يثرب يصومون يوم عاشوراء، احتفاء بنجاة موسى عليه السلام من بطش فرعون وقومه، فقال صلى الله عليه وسلم: “نحن أحق بموسى في صوم هذا اليوم”.
وورد عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم صامه، كما ذكر النووي في صحيح مسلم، قول بعض العلماء بأن صيام عاشوراء كان واجبا في أول الإسلام، ثم نُسِخ وجوبه، بفرض صوم رمضان، فصار حكمه على الاستحباب، قال صلى الله عليه وسلم: “من شاء صام ومن شاء لم يصم”.
وفي حديث معاوية، فيما أخرجه البخاري ومسلم: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصوم فليصم ومن شاء فليُفطر”.
فضل صيام عاشوراء:
نص النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح،على ثواب صيام عاشوراء بقوله: “أحتسب على الله أن يُكفر بصيامه السنة الماضية”.
ولصيام التطوع بصفة عامة، أجر عظيم قال عليه الصلاة والسلام: “من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم على وجهه النار سبعين خريفا”.
استحباب صيام التاسع مع العاشر من محرم:
يُستحب صيام تاسوعاء مع يوم عاشورء، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فيما رواه مسلم والإمام أحمد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لئن عِشت إلى قابل لأصومن التاسع”، -يعني مع العاشر- قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فرغب النبي صلى الله عليه وسلم بإرفاق صيام عاشوراء، بصيام يوم قبله، مخالفة لليهود الذين كانوا يفردون اليم العاشر بالصيام، فتحصل مخالفتهم بصيام يوم قبله أو يوم بعده، والمقصد في استحباب ذلك :
أولها: مخالفة اليهود في صيامهم لليوم العاشر فقط.
ثانيها: الاحتياط لإدراك اليوم العاشر، بالصيام مخافة وقوع خطإ في استهلال هذا الشهر.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب كما ذكر ابن القيم في كتابه “زاد المعاد”:
إما أن يصوم اليوم العاشر وحده، أو مع التاسع، أو مع الحادي عشر، أو يصوم الثلاثة.
وعليه فأدناها أن يُصام وحده، فلا بأس من إفراد عاشوراء بالصيام عند العلماء. والأفضل أن يُصام التاسع معه، وكلما كثر الصيام في محرم كان أحسن وأطيب.
هل يصام يوم عاشوراء إذا صادف يوم الجمعة أو يوم السبت؟
أجاز الفقهاء ُصيام عاشوراء ولو صادف يومَ سبت أو جمعة، بضم يوم أو أكثر، كما يجوز إفراد كل منهما بالصيام ،إذا وافق أحدهما عادة مشروعة كصوم يوم وإفطار يوم، أوصادف نذرا أو قضاء، أو صوما رغب فيه الشارع كعرفة وعاشوراء.
ولا يشرع في يوم عاشوراء عمل من الأعمال غير الصوم، لا إظهار الحزن، ولا غير ذلك مما هو سائد من مختلف مظاهر الاحتفال. فقد عرفت احتفالات عاشوراء تغيرات، فتحولت شعيرة العبادة، إلى طقوس اجتماعية وعادات اقتصادية.
فما هي مظاهر السائدة احتفاء بعاشوراء؟
من المظاهر التي ارتبطت بعاشوراء، بل ومن أشدها حرمة، نشاط السحرة والمشعوذين في هذا اليوم، إيمانا منهم أن نتائج السحر تكون محسومة في عاشوراء، وهذا من أخطر الأعمال التي تُبعِد العبد عن الله تعالى، وتوقعه في الشرك، قال سبحانه في محكم كتابه الكريم: “ولقد أُوحي إليك وإلى الذين من قبلِك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين”الزمر65.
هناك أناس فضلوا تخصيص هذه الليلة لممارسة أفعال شيطانية، فيحرصون على اقتناء مواد السحر والشعوذة، اعتقادا منهم بأن ليلة عاشوراء لها تأثير بالغ، في إبطال أو تحقيق مفعول السحر.
هذا الاعتقاد دفع بآخرين إلى اقتناء مواد مثل: “الفاسوخ” و”الشبة”، لغرض حماية أنفسهم وأسرهم من أذى قد يلحقهم، ولإبطال السحر الذي يمكن أن يطالهم – في اعتقادهم-، وهو أمر مخالف تماما للشريعة الإسلامية، قال تعالى: “وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله” البقرة:102 .
سبب تناقض بعض مظاهر الاحتفال بعاشوراء بين الحزن والفرح:
صادف يوم العاشر من محرم ذكرى العديد من الأحداث التاريخية كما سلف الذكر، نتج عنه تنوع بل وتناقض في مظاهر الاحتفاء بهذا اليوم. ومن أهم الأحداث التي صادفت يوم عاشوراء، في التاريخ الإسلامي: مقتل ريحانة الرسول صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي كرم الله وجهه، بكربلاء سنة 61هـ لحكمة وابتلاء.
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا النبأ بأزيد من ستين سنة. فمن مرويات أم سلمة رضي الله عنها: “دخلت على رسول الله وعيناه تفيضان، فقلت يا رسول الله هل أغضبك أحد؟ قال: لا، ولكن جبريل كان عندي آنفا فقال لي إن أمتك تقتل هذا (وأشار إلى الحسين، قال: وإن شئتَ أن أُريك شيئا من التربة التي قتل عليها فعلت، فقلت نعم، فقبض قبضة بيده، ووضعها في يدي فما ملكتُ أن فاضت عيني”، وقد رُوي الحديث بروايات متعددة عن أم سلمة رضي الله عنها.
كانت حادثة مقتل الحسين رضي الله عنه وأرضاه، حادثة مروعة، أدت إلى ثورات ضد الأمويين، عجلت بسقوطهم وظهور دولة العباسيين.
فانقسم الناس بعد هذا الحادث الأليم في كيفية إحياء هذه الذكرى، ذكرى عاشوراء إلى قسمين:
ـ فريق اتخذه يوم فرح وسرور، يوما للتزين، وشراء الألعاب، والدفوف للأطفال، وإعداد أنواع من الحلوى والمأكولات الخاصة بالمناسبة، مع شراء الفواكه الجافة، وغير ذلك من مظاهر الفرح والابتهاج.
ـ قسم اتخذ يوم عاشوراء مأتما سنويا، وهم الشيعة ومن تأثر بهم بقصد أو غير قصد، ممن اعتبروه يوم حزن، وجلد للذات، وندم على خذلان الحسين وآل بيته. فعاشوراء بالنسبة لهم ذكرى حزن وتشاؤم، يمتنعون خلالها عن كل مظاهر الفرح، بل طيلة شهر محرم، لا كنس ولا أعراس أيام المحرم، حيث لا تقام فيه حفلات ختان ولا زفاف، لأن الفتاة التي تتزوج في هذا الشهر- في ظنهم – تعتبر مشؤومة لا سبيل لنجاح زواجها. إضافة إلى مراسم جماعية للجلد واللطم، وقد تمتد الحسينيات أياما، كما يجدد الحزن في الأربعينية.
من كوارث هذه المنهيات على مصير الأمة الإسلامية:
ـ التذكير الدائم بالمصاب الجلل لمقتل الحسين، في حين أن الإسلام نهى عن الحداد لأكثر من ثلاثة أيام، فما بالك بإظهاره لعقود وقرون.
ـ إثارة الكراهية ونشر العداوة والفرقة بين الفرق الإسلامية.
ـ إيقاظ الفتنة ونشرها وإثارة النزاعات.
وهذا مبتدع خطير، واعتقاد فاسد، وجاهلية لا تصح، وهو عمل شركي، لأنه ينفي أن الأمر كله بيد الله وهو من الطيرة، والطيرة شرك.
إن ظاهرة الحزن وإقامة مجالس التباكي والجلد، هي من أعظم المنكرات لأنه لو كان يوم وفاة أحد يستحب أن يصبح مأتما، لكان يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى أن المشروع عند المصائب هو الصبر والاسترجاع، لا النياحة وأعمال الجاهلية. قال عز وجل: “الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون” البقرة:156.
يشار إلى أن كلا الفريقين –من اتخذه يوم فرح ومن اعتبره يوم حزن- عمد إلى وضع أحاديث منسوبة كذبا، على الرسول صلى الله عليه وسلم لنصرة رأيه، من ذلك: “من وسع على أهله أو عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه” وهو حديث موضوع، كل طرق روايته تتضمن رجالا مجهولين، وضاعين للأحاديث كذبا على الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد سُئل عنه ابن تيمية فقال: ” لا شيء”.
مظاهر الاحتفال في مجتمعنا:
عاشوراء في مجتمعنا عبارة عن فسيفساء، امتزجت فيها أعراف عربية، وأمازيغية، وإسلامية، وإفريقية أندلسية ويهودية، شكلت لنا فسيفساء ثقافيا.فيه مظاهر وطقوس احتفالية تمزج بين الحزن والفرح، زد على ذلك انتشار الشعوذة، والعادات الشركية، التي تُحيَى بها هذه الذكرى، وهي عادات خارجة عن الإطار الإسلامي:
ـ إشعال النار وتخطيها والقفز عليها، ورمي عقد السحر وسطها.
ـ جمع الماء من ثلاثة أبيار، والاستحمام به، اعتقادا منهم أنه يخلص من النحس، وفيه بركة ويمن ورزق، يُرش به المنزل، وكذلك العرسان الجدد، ظنا منهم أن مياه زمزم تمر عبر عيون المياه.
ـ وصِنف آخر يوثر رش المارة، والتراشق بالماء، ما يسبب الخصومات والمنازعات، مما يؤدي في حالات عدة إلى ما لا تحمد عقباه.
ـ ناهيك عن التلويح بالبالونات المحشوة بالبيض الفاسد.
ـ إضافة إلى انتشار الألعاب الخطرة، والمفرقعات التي لا تخلو من مخاطر جمة، والتي قد تنتهي بإعاقات، فإصابات العيون مثلا التي ترد على المستشفيات في هذا اليوم، كما ورد في تقارير طبية، قد تعادل عدد الحالات التي تتردد طيلة السنة على المستشفيات.
هذه بعض مظاهر الاحتفال بعاشوراء، تتأرجح بين مظاهر الحزن والفرح، بين المباح منها والمكروه والمحرم، لذلك يبقى السلاح الوحيد لمحاربة ما فيها من محظور، هو التوعية وبيان هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الاحتفاء بيوم عاشوراء، ورفض الأمور المخالفة لديننا، وهذا هو دور علماء الشريعة والإعلام وغيرهم.