مهرجان الفيلم المغربي بطنجة
طنجة-عبد المالك بوغابة
في إطار فعاليات مهرجان الفيلم المغربي بطنجة المنظمة من طرف المركز السينمائي المغربي، تابعت “مجلة أصوات” هذا المساء فيلما للمخرج المغربي المقتدر محمد عبد الرحمان التازي بعنوان “فاطمة السلطانة غير المنسية” يتمحور موضوعه حول السيرة الذاتية لعالمة الاجتماع المغربية الباحثة والأستاذة الجامعية فاطمة المرنيسي..
كما سيرة المخرج محمد عبد الرحمان التازي التي اخذت بدورها مساحة لا يستهان بها في الفيلم الدرامي لأن المخرج يرتبط بعلاقة عائلية مع بطلة الفيلم فاطمة المرنيسي.. ومن هنا حضوره الفاعل وتقاسمه مع البطلة دور المثقف العضوي لكليهما.. فهما يحملان نفس الأفكار ونفس القيم والمبادئ التي تشرباها من الحداثة والتقدمية…
الفيلم يضيف تراكما نوعيا لربرتوار المخرج ابتداء بفيلمه الأول ابن السبيل ثم بادس والبحث عن زوج امرأتي وللا حبي وجارات ابي موسى وصولا إلى فيلم فاطمة السلطانة التي لا تنسى تتوزع بين الدرامي والاجتماعي والتاريخي وغيرها من الأشرطة الوثائقية..
ويعتبر فيلم فاطمة التاج لأعمال المخرج لأنه يتمحور حول أيقونة نسائية وباحثة مقتدرة اغنت الساحة الاجتماعية ببحوث وكتابات حفرت عميقا في الذاكرة التراثية كما سراديب المجتمع الذي عاصرته في السبعينات والثمانينات والتسعينات حتى وفاتها في العقد الثاني من الألفية الثانية بغوصها عميقا في قضايا المجتمع وخاصة المرأة..
تقمصت دور المثقف العضوي بكل اقتدار لتثور على التقاليد البالية وتشجع الفتاة على التعلم اقتداء بحفيدة الرسول سكينة بنت فاطمة الزهراء ابنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزوجة على بن أبي طالب وخاصة رفضها الحجاب..
وآراء قاسم أمين ومصطفى اتاتورك والطاهر حداد.. كما كانت تزور برفقة ابن خالها محمد عبد الرحمان التازي الاضرحة لحضور حفلات الحضرة والطقوس الاحتفالية للشيخ الكامل بمكناس لكن هذا لا يمنعها من أن تؤثر رأي الدكاترة النفسيين الذين يعتبرون زيارة المرضى النفسانيين المواسم الدينية الاحتفالية وخاصة النساء مجرد تطهير ارسطي لحظي تعود الازمة النفسية مع الانتهاء من الإحتفال..
كما يوثق المخرج لزياراتها لنساء الجنوب ومناطق الصحراء في زاكورة وورزازت وتازناخت ووقوفها على معاناة المرأة واستغلالها من طرف الرجل والمجتمع فهي تنتج الزرابي وتعمل بالفلاحة لكنها لا تتقاضى أي أجر.. تقدم فاطمة ما تيسر من مال لبعضهن فيفرحن بذلك.. كانت لها علاقة مميزة بالفنانين وخاصة الرسامين والشعراء.. وكم زارت مرسم الفنانة الشعبية طلال وشجيعتها على الاستمرار في الابداع والعطاء.
وفتحت زيارات لشخصيات أوربية وامريكية لمعارض فنانين مغاربة.. وكان من بين الزائرين لهذه المعارض في منازل أصحابها رئيس الوزراء الإسباني السابق فيلبي كونزاليس وبرفقة فاطمة المرنيسي وبمرافقة وفد وزاري… وظف المخرج لغة سينمائية من خلال التركيز على تقنية الفلاش باك “flash back” والعودة إلى المنزل الذي ترعرعت فيه فاطمة كما الكتاب وطريقة التدريس العقيمة في حفظ القرآن وهذا ما توحي به بعض اللقطات في بداية الفيلم ونهايته.
لقطة تظهر أحد الفتيات معلقة من رجلها ورأسها متدل نحو الأسفل ولا يظهر وكأنه يشير إلى تغييب العقل والتفكير بعقاب الطفلة وضربها على الأرجل لأنها لم تحفظ القرآن.. ولسان فاطمة يقول اتركوها تفكر كما تشاء دون عقاب.. وهذا ما نجدها تركز عليه في محاضرتها بفناء مسجد مولاي ادريس بفاس في يوم صيفي حار بقولها أثناء اختتام المحاضرة حرروا عقولكم من أفكار بعض لفقهاء المتجرين واعملوا بآراء بعض المتنورين منهم كإبن حزم مثلا وما قاله عن الحب بخلاف إبن قيم الجوية الذي يقول بأن هناك أكثر من ثلاثمائة لفظ دال على الحب دون ذكر الحب..
كما يلمح المخرج محمد عبد الرحمان التازي إلى تدخل لسلطة الدينية في منع بعض محاضرات فاطمة المرنيسي كما منع ترويج كتبها بذريعة جرأتها على الأفكار الدينية والحال أنها تمتح من القرآن والسنة وتجتهد برايها متدبرة عقلها كما تدعو المصادر التشريعية..
كما يتجول بنا المخرج في أماكن بعض الاضرحة ومنها ضريح سيدي البرنوصي المطل على فاس القديمة مروحة عن نفسها وشاكية من وعثاء الزيارة إلى هذه القمم البعيدة عن السكان والازدحام.. ليختتم المخرج فيلمه لحظة احتضار فاطمة وتدفق فوارة الماء كتطهير من الحياة مع انبعاثها وامها في مشهد متعال ومتسام إلى الأعلى.. وقبل هذا المشهد مشهد آخر لفاطمة وهي تحتفظ بلوحات أمها الفنانة كما مشهد غناء النساء سرا مع المذياع بعد استنساخ مفتاحه.. واجتماع الرجال حول الاخبار السياسية..
من جانب آخر فيلم فاطمة السلطانة سيعيد طالبات وطلبة الجامعات إلى الاهتمام بكتبها وسيحث الجيل الحاضر على الاهتمام بالرموز المشرقة من الباحثات المغربيات اللواتي آثرن العقل في كتاباته..
أدت دور فاطمة المرنيسي في الفيلم الممثلة المقتدرة مريم الزعيمي وصديقة فاطمة الممثلة المتألقة نسرين الراضي وأم فاطمة الممثلة الكبيرة فاطمة العماري..
ولا ننسى الممثل الذي أدى دور ابن خال فاطمة محمد عبد الرحمان التازي وغيرهم من الممثلين والممثلات الذين أدوا شخصيات أخرى قريبة من فاطمة..
وبالمناسبة قد كانت الجلسة الافتتاحية فرصة لتكريم عدد من الفنانين والفنانات الذين أعطوا للمجال السينمائي الكثير أبرزهم الراحل نورالدين الصايل، وعبد الرحمان التازي، بحضور الوزير بنسعيد.