أمسية روحية نورانية لإحياء المولد النبوي الشريف بمسجد السلام بالجبل الأخضر ستراسبورغ.
بات لإحياء المولد النبوي الشريف بفرنسا عامة وبستراسبورغ خاصة. أهمية جد كبيرة في واقع حياة جالية الأمــة الإسلامية و العربية المغاربية خصوصا, لما للمناسبة من فوائد كثيرة و رصيد علمي معرفي لأبناء الجالية الإسلامية من منظورين مهمين. أولهم معرفة الإسلام بتعمق والتعريف به عن طريق معرفة نبينا الحبيب المصطفى السراج المنير, المصطفى المختار , خير خلق الله وإمام المرسلين وخاتمن النبيين.
وككل سنة تحتفل الأمة الإسلامية العظيمة بتمسكها بدينها السمح. لإحياء مناسبة المولد النبوي الشريف، والإحتفاء به فرحة وبهجة وسرورا المنتظر كونه مناسبة عظيمة غالية على المسلمين عامة وعزيزة على قلوبهم.
ولا يختلف إثنان على إحياء المولد النبوي بقناعة وثقة وتمسك بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة أبا عن جد على خطى نهج سلفهم للجالية المغاربية.
فرغم ما تعانيه الجالية الإسلامية العربية المغاربية من حرمان و بعد عن مواطنهم الأصلية , إلا إنهم لا يفرطون ولا يتأخرون في إحياء مناسباتهم الدينية و الموسمية لمختلف الأعياد والعادات والتقاليد إفتخارا و إعتزازا بها من جهة ومن أخرى للحفاظ على الموروث الديني الثقافي لأجل التمسك بهم حتى لا تطمس هويتنا وأصالتنا و قوميتنا الإسلامية وتوريثها للأبناء و الأجيال الصاعدة.
فالإحتفال بالمولد النبوي يعد إنطلاقة قوية للغداء الروحي والرقي بتعزيز تعبئة الرصيد المعرفي وجهاد النفس للحماية من الإنزاق و التشبث بعقيدة التوحيد مستعينين بالله العلي القدير ومتوكلين عليه سبحانه وتعالى ، وتمتل مناسبة الإحتفال بالمولد النبوي فرصة جامعة للم شمل للجالية الإسلامية, ويكون مصدر أَساسي جد مهم لصلة الترابط للوحدة الإسلامية لمختلف الأجناس, كونه لا يمثل طائفة ولا عقيدة معينة ولا تيارا ولا حزبا معينا, بل يمثل الدين الإسلامي الأصيل, دين المحبة و الصفح و التسامح و التأخي ( مصداقا لقوله تعالى إنما المؤمنون إخوة ).
وعلى غرار باقي مساجد و مؤسسات المراكز الإسلامية بستراسبورغ أحيا بدوره مسجد السلام بالجبل الأخضر بستراسبورغ، أمسية دينية قٍرآنية، محمدية بنفحات إيمانية، و فنية تضمنت مجموعة فقرات متنوعة تلاوة , محاضرة ومداخلة, أمداح و موشحات إنشادية, نشاط بسيط في مضمونه بساطة المتواضعين المتحابين في الله والمستمسكين بحبله المتين.
البداية كانت منذ مطلع أنوار شهر الحبيب والتفكير في الإحتفال به وبإحياء مولده فكان للأطفال لاسيما حق البراعم النقية الطاهرة نصيبهم وحظهم الأوفر في المشاركة في الإحتفال. حيث قام الطاقم المشرف للهيئة التعليمة للمعلمات بإنجاز سيرة الحبيب المصطفى العطرة والتعريف به وبشجرته العائلية, نسبه وشرفه و أزواجه , أولاده الذكور و بناته, وذلك من خلال المجسمات المعدة بعرض للكعبة الشريفة وللقبة الخضراء و لغار حراء و الحمام والعنكبوت و الصور و التركيبات من مربعات تعريفية, بصمة صبيانية بقيت منقوشة في ذهن الكثير ممن حضروا معرضهم المحمدي حفظهم الرحمن ورعاهم و بقيت مبصومة لدى الأطفال أنفسهم كونهم هم أستفادوا من عمل مهندسي الإنجاز الجبار و الذي من خلاله تعرفوا على الحبيب المصطفى و غرس حبه في نفوسهم و قلوبهم الطاهرة منذ نعومة أظافرهم. عمل جد مشرف مبهر للزائر و المتجول بين أجنتحته, معرض سيظل شامخا في سجلهم الذهبي يفتخرون به أيما إفتخار, حقيقة عمل يستحق الإشادة به و الثاء بكل التحايا .
الليلة الكبرى للحدث الأهم :
إنطلقت أمسية الإحتفال بعد صلاة المغرب إمتدت للعشاء بنهاية الأسبوع وقت مناسب سمح لتمكين الجميع من الحضور و الإستمتاع بالأمسية التي طالما إنتظروها ليعشوا أسعى اللحظات بدورهم في مسجد حييهم حتى لا يحرموا من إحياء المولد النبوي الشريف للحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه. حفل حضره عدد من الأشخاص وضيوف معية رواد المسجد و الأهالي من الساكنة.
إفتتحت الأمسية بكلمة ترحيبية بمنشطي الأمسية الأساتذة الأفاضل كل من الشيخ خاليد حماده, الشيخ الدكتور ربيع فارس و الشيخ أيوب قريش و الشيخ خليلو سيلا و ضيوف الأمسية وتقديم برنامجها للحضور. أستهلت بتلاوة عطرة لما تسير من الذكر الحكيم تلاوة خاشعة أثلجت الصدور.
بداية إحيلت الكلمة لفضيلة الشيخ الدكتور ربيع فارس والذي تطرق في مستهل حديثه للتعريف بسيرة الحبيب المصطفى والأمر بالحرص على تعليمها لأبنائنا وشبابنا و المغزى من إحيائها, وإن إحياء ذكرى المولد النبوي يمثل مدى حبنا وإهتمامنا وتمسكنا بصاحب هذه الذكرى الجميلة لصاحب السيرة العطرة خير صفوة خلق الله. المختار صاحب القلب الصافي كما حدث الإمام الشافعي رحمه الله. المصطفى من أستطفاه الله سبحانه وتعالى, سيدنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه سلم، إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف يمثل تجديد الصلة للولاء والوفاء لسيدنا رسول الله والشهادة التي نكررها في كل صلاة ووقت وحين, الشهادة التي شهد بها الله له وأقرنها بإسمه الأعظم والتي كلما نودي للصلاة إلا ويقترن إسمه بإسم المولى عز وجل ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله) والشهادة بتبليغه للرسالة وأنه جاهد حق جاهده وأدى الأمانة و منها علينا إستمرارية نشر الدعوة الإسلامية من خلال الإحتفال بمولد حبيبنا قدوتنا والتعريف به بل والإفتخار به أيما إفتخار بكل شموخ, ويعيد للإنسان النشاط الحيوي بربط صلته بربه وتقويتها الروحية و المعنوية والتفاعل الجاد الصحيح المثمر في طريق جهاد النفس وإتباع الطريق الحق, الصادق ، فإحياء شعائر هذه المناسبة العظيمة نأخذ منها العبرة التي نقتدي بها ونصحح من وضعينا و حال أنفسنا وواقعنا المعاش لتدارك الأخطاء و تجنب الوقوع فيها و تفادي السير في طريقها المعوج، و نقتدي من سيرة خصاله الحميدة ,كما قالت السيدة الطاهرة تلك الحميراء أمنا عائشة رضون الله عليها وعن أزواجه جميعا, والنهل من نبع حكمته وأخلاقه وصفاته وسلوكه النبيل ومواقفه الخالدة في الوقوف ضد الباطل، كونه يمثل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنموذج الأول الصحيح للإسلام والدين القويم لأمة المسلمين. فهو الشخصية الهامة، الأسوة والقدوة الحسنة لكل الأمــة الإسلامية رسول البشرية جمعاء فكل زمان ومكان، ولذلك لا ينبغي أن نخرج عن هذا الإطار الشرعي الرباني الذي أوصانا به الله العلي القدير على لسان نبينا الحبيب.
الإحتفاء بالمولد النبوي الشريف يمثل حافزا كبيرا لتقييم أنفسنا وتصرفاتنا وأعمالنا وسلوكنا وأمام ذلك نقوم بتصويب وتعديل كـل خلل وسلوك سلبي فينا. والتعمق في معرفة الحبيب حتى لا يعاب علينا بأننا نجهل معرفته التي كثيرا منها يجهل عنها الكثير, وذلك بالعلم والمعرفة كما أمرنا وعلمنا وكما قال فيه المولى عز وجل وبين مكانة المعرفة قبل التعليم (الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم.) وعلينا بتجديد حبنا للحبيب السيراج المنير بقلب محب للحبيب المصطفى والحفاظ على النعمة الربانية التي أهدانا المولى عزل وجل. ونفرح به بفرح الله به مصدقا لقوله تعالى (قل بفضل الله ورحمه وبذلك فليفرحوا ), لكونه رسول الرحمة للعالمين من عرج به الله لسدرة المنتهى و قال له يا محمد أسئل تعطى , الحبيب من قال أمتي أمتي وسأل لنا الله الشفاعة.
وتعتبر مناسبة إحياء ذكرى مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم ,فرصة سنوية لتلاقي المسلمين للتعريف بنبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقدر كافي وتقديم الإسلام بصورة ناصعة نصاعة بياض الثلج ,تبين الأخلاق الفاضلة له، وتعريف الحاضرين بالشمائل المحمدية والسيرة النبوية العطرة لربط الأجيال الصاعدة بالإسلام الصحيح والمحافظة على تعاليمه.
فالإحتفال بالمولد النبوي الشريف بستراسبورغ بفرنسا أصبح يعطي الصورة الحقيقية التي تمتاز بها الجالية الإسلامية المغاربية لعظمة المناسبة التي يحرص عليها الأهالي و الأبناء على خطى السلف لتشع الأنوار المحمدية في صورة روحانية وتكتسي عن حب الجالية الإسلامية معبرة عن حبها لرسولها صلى الله عليه وسلم، فرغم الظروف القاسية من حيث البعد والوحدة و الغربة و الهجرة الصعبة ومرارة المعاناة بالخارج بعيدا عن الفضاء الأسري الأهلي والعائلي , إلا أن حبها للحبيب المصطفى لا يغنيها عنه شيء و لا يمكن التفريط فيه و لا تفويت الفرصة عليها.
ولأجل ذلك يحرص أعضاء جمعية مسجد السلام كبقية مساجد ستراسبورغ, على إحياء مناسبة المولد النبوي الشريف والحرص على ذلك, مناسبة تهدف في حد ذاتها لدعوة الحضور الغاية منها اللقاء التواصلي لإحياء عادات وتقاليد السلف على خطى الأباء و الأجداد ولتقريب الجالية برمتها و أبنائها خاصة من ثقافاتهم الأصلية وتراثهم الإسلامي وموروثهم الديني، فضلا عن تهذيب حسن الأخلاق والسمو بالروح الإسلامية المنبثقة عن الشمائل المحمدية وفضائلها وتأصيلها, والعمل أيضا على تشجيع الشباب والنشء الجيل الصاعد, خاصة المولود والمترعرع في أرض المهجر بديار الغربة بعيدا عن موطن مسقط رأس سلفه الأصلي.
مناسبة دأبت عليها الجالية الإسلامية بستراسبورغ عامة. كونها ذات قيمة ثقافية دينية متجذرة من نبع الحضارة الإسلامية والموروث الديني الثراتي الثقافي لمسقط رأس السلف المتشبث بكل قيم الهوية والأصالة. ليكون جسر محبة وتآخي بين أبناء الجالية الإسلامية العربية والمغاربية برمتها, و التألف للعيش في سلام وإطئمنان وتعايش سلمي كامل مع الساكنة من بقية الشعوب وتواصل دائم مع مختلف الثقافات الأخرى ولرسم أحسن صورة للإسلام و الأخلاق الحميدة من آثار سيرة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه.
مناسبة تتطلع فيها إدارة مسجد السلام بالجبل الأخضر للإستمرار بتنشيط الحقل الثقافي في مختلف المناسبات الدينية وغيرها وخصوصا التي لها إرتباط وثيق بديننا الحنيف وموروثنا الثقافي المتنوع الزاخر بكل ألوانه وفنونه بكل الجهات، خاصة في فرنسا للجالية الأقل حظا من العيش في كنف هذا الموروث والمحرومة منه لسنوات عدة.
تخللت جلسة الأمسية فترات متنوعة بين التلاوة العطرة و ومضات أمداح وسماع صوفية للإنشاد شنف بها الأستاذ أيوب قريش صاحب الحنجرة الذهبية الصادحة مسامع الحضور, وصلات متنوعة الأداء بين المديح والإنشاد, فقرة تفاعل معها الحضور مشاركا ومرددا لما أنشد وقرأ من أمداح على نهج خطى السلف, بما جاد به و أحسن إنتقاه لعظمة المناسبة المحمدية وما يليق بمقامه و مكانته صلوات ربي وسلامه عليه. وعودة للمداخلة تطرق فيها فضيلة الأستاذ خليلو سيلا إمام المسجد الكبير بستراسبورغ الذي تطرق فيها في ومضة تعريفية عن حب الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه وعن حب الأئمة من السلف في وصفه لهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام البوصيري صاحب قصيدة البردة الشهيرة وما لها من مكانة في قلوب الناس، ومحبته كما جاء به القاضي عياض رحمهم الله في كتاب الشفاء عن حب النبي بأنها شيء مأمور به في ديننا الحنيف. مصداقا لقوله تعالى ( قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنبوكم إنه غفور رحيم ), (فما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا), كما ذكر بأن طاعة الرسول صلى الله عليه من طاعة الله مصداقا لقوله تعالى يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم , وعلينا بحب النبي الحبيب بالتصلية والتسليم كل وقت وحين وفي كل صلاة و ذكر و تسبيح, من قال المولى عز وجل في حقه (إن الله وملائكته يصلون على النبي, يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا و تسليما) و عن الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.
وبإنتهاء مداخلته عادت حنجرة الشيخ أيوب قريش للحظات ترويح بأداء أروع الأمداح ما أنشتده بنات النجار نشيد (طلع البدر علينا من ثانيات الوادع ووجب الشكر علينا ما دعى لله داع, أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع جئت شرفت المدينة مرحبا ياخير داع) بمدخل المدينة المنورة في إستقبال نبي الرحمة صفوة الله يوم هجرته من مكة. نشيد طلع البدر علينا الذي ردده الحضور وتفاعلوا معه بكل جوارحهم وبكل شغف للحبيب سيدنا قدوتنا صلوات ربي وسلامه عليه و تواصلت فقرة الإنشاد في تنوع و تواصل لختام الأمسية.
إستمر النشاط في أمسيته المميزة نوعا وكما من حيث التنوع والأداء بين التلاوة العطرة ومواعظ الإرشاد والنصح للأستاذ فارس ربيع و بتشنيف المسامع للأستاذ أيوب قريش ومداخلة الشيخ خليلو سيلا . وختامه مسك وعطر عبقه يفوح بكل زاوية و ركن بذكر الحبيب المصطفى. أختمت الأمسية بتلاوة آيات بينات مميزة من أجود القراءات للشيخ ربيع فارس بنبرات خشوع, تلتها صلاة العشاء ودعوة الحضور لتناول وجبة العشاء إكراميات الضيافة من لذيذ الأطباق. لقي هذا اللقاء تفاعلا وتجاوبا و ترحبا بإستحسانا كبيرا من جمع الحاضرين على أمل اللقاء مرة أخرى في مناسبة سعيدة.
وبحلول ختام مجلس الأمسية رفع الدعاء رفعت أكفف التضرع للمولى عز وجل, بمسك وعنبر يفوح بطيب ذكر النبي طه المختار صلوات ربي وأزكى سلام عليه.
تقرير الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون ستراسبورغ فرنسا.