رصد لظاهرة بائعات الهوى “الذعارة” بشارع “بوكراع” قرب “البوسطة” بمدينة العيون، والموضوع أعقد من مجرد الرصد
فاطمة الزهراء أمير
في إطار رصدنا ومقاربتنا للظواهر الاجتماعية المرضية التي تنخر الجسد المغربي والتي تتداخل عدة عوامل في توليدها وضمان امتدادها الزماني والمكاني، سنقارب اليوم في عمل استقصائي ظاهرة الدعارة في المغرب من موقع مدينة العيون بجنوب المملكة المغربية، حيث تفاجئك امتدادات لعارضات الهوى والباحثات عن المال مقابل الجسد، لتبدأ رحلة “السعر” مقابل الهوى ولغة الجسد، فتتفجر أمام عينيك حقائق لا بد أن تنال الدراسة كظاهرة اجتماعية وسلوكية نفسية، تقف عارضات الخدمة لتبدأ رحلة تحديد السعر، فتدخل على خط التحديد الواسطات “القوادات” ممن يأوين هذا النمط السلوكي بمنازلهن، يوفرن الإقامة والمتعة مقابل سعر، والظاهرة التي نرصدها اليوم هي من شارع “بوكراع” قرب مكتب البريد “البوسطة” بمدينة العيون.
تقف “ا” على جانب الطريق مرتدية ملحافا يغطي جسدها المعروض للبيع لفترات مقابل مقدار مالي، وهي تتأمل أرقام الهاتف لعل زبونا مهما يحط الرحال عبر تفاصيل هاتفها لتفاصيل جسدها، فينعش اللحظة والجيب، ويجعل الزبون يحس بانتعاشة اللحظة، لكن يضمن لها في المقابل سعرا يغطي حاجياتها الشخصية ولوازم الأسرة إن كانت.
ممتشقة القامة تسير يمينا ويسارا وتقطع تفاصيل الشارع الممتد، تتحرك كما مثيلاتها كخلية نحل بحثا عن طرائد تكون نفعا ماديا مقابل المتعة، نقف ونتواصل وتبدأ رحلتنا في تفاصيل الأحداث، مع موسيقى، وتبدأ لغة النقاش السعري، وتطلب السعر المحدد 200 درهم، نفاوضها في السعر لمعرفة تفاصيل ما يحدث ليس في نقل الحدث ولكن في النبش في خبايا الحدث، تكشف لنا أن هذا السعر ليس لاستفادتها الشخصية، بل ستتقاسمه مع صاحبة المكان الذي يأويها “القوادة”، نناقشها في السعر ونقترح 100 درهم تجيب “واش أنت مريض”، ما أحصل عليه ليس لي وحدي، بل أتقاسمه مع الوسيطة، لتبدأ الرحلة في نقاش الممكن من الأسعار فتقول “لو كنت وحدي لقبلت ب 150 درهما فقط” وبعد جهد في الرحلة تنزل السعر إلى 170 درهما، وهي تقول قل لي “واش نعطي هادشي للمرأة، ولا أنا”، وتواصل متجهمة “ما كاين ما يدار، الوقت …”.
هي ظاهرة نرصدها ليس من أجل الإلحاح على المقاربة الأمنية لأنها لا يمكن بالمطلق أن تحد من ظاهرة مجتمعية خطيرة تسود في المغرب من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، ولكن أن تكون المقاربة شاملة، وخاصة كمقاربة اقتصادية واجتماعية تلامس مكامن الداء في الجسد المجتمعي وتحطم الطابوهات الثلاث وليس طابو واحد على حد قول الباحث “بوعلي ياسين” في مؤلفة “الدين والجنس والصراع الطبقي”.
هي ظاهرة شاملة تعكس ليس فقط ممارسة الهوى سرا، بل أزمة اقتصادية واجتماعية تزيد من تغذيتها وتوسيعها ظاهرتي الفقر والطلاق، والعجز عن مجابهة الواقع، بما تنتجه من أمراض صحية ومجتمعية لمهنة هي من أقدم المهن في التاريخ، والمرتبطة بالجانب الغريزي والشهواني لجميع المخلوقات.
وذكرت في هذا الباب الأساطير اليونانية أن “ديونيزوس” نما وذهب رفقة “وسيلين” ليعلما الناس زراعة الكروم، صناعة الخمور، وممارسة النشوة، وتحقيق اللذة، ويفرضان في كل مكان مرا به الاحتفال ب”ديونيزوس” اعترافا بجميله.
الصورة المغربية تغذي هاته الفكرة ما دام حتى توثيق الزواج لا يتحدث عن الحب، عن السمو، عن المودة، عن الروح، بل يتحدث عن عقد “نكاح”، الشيء الذي يقصر العملية كلها في الممارسة الجنسية بما تغذيه وتنميه من نزوع المجتمع نحو تقديس الفعل “الطوطم”، وفي الجهة المقابلة تجريم الفعل واعتباره إخلالا بالأخلاق العامة وهذما لكيان المجتمع “الطابو”.
المجتمع في شموليته تلقف الفعل وصنفه وبوبه في باب “قلة الحياء”، لأن التعامل مع الظاهرة هو أعقد مما يمكن أن نتصور، فهناك مؤسسات عديدة عليها أن تتحمل مسؤوليتها في إيجاد حل للمعضلة، وليس المقاربة الأمنية لوحدها قادرة على حسم معضلة تاريخية متأصلة في المجتمع، وفي البنية الاقتصادية الهشة التي تولد كل أنماط الجرائم.
وفي هذا السياق كان عالم الاجتماع المغربي، الدكتور عبد الصمد الديالمي، قد قال في محاضرة معنونة بالانتقال الجنسي في المغرب، ألقاها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط أن ” العمل الجنسي حل غير مهيكل لمشكل البطالة في صفوف الفتيات، وأيضا عامل محرك للسياحة الوطنية والأجنبية بل في بعض المدن والجهات، العمل الجنسي هو أحسن نشاط اقتصادي”.
وسبق للمرحوم علال الفاسي أن قال ”الذي يريد القضاء على الدعارة فليعمل على تغير النظام الاقتصادي القائم في البلاد”.
إذن فالمعضلة أعقد من التنظير من خلال المقاربة الأمنية على ضرورتها، بل يجب أن تشمل هاته المقاربة كل مكونات الظاهرة والأسباب الفعلية لتفجرها والتي يبقى العامل الاقتصادي والاجتماعي رافعتها الأولى، مع ضرورة تغيير نمط العقليات في التعاطي مع المرأة وتجاوز منطق التعامل مع المرأة من موقع السلعة المعروضة للبيع إلى منظور أنسنة المجتمع.
نقلا عن الزميلة جريدة أصوات