غياب المصحات المدرسية يعوق تحقيق أهداف الصحة المدرسية
خولاني عبد القادر
تلعب الصحة المدرسية دوراً محوريا في المجالات الوقائية و العلاجية و ذلك من خلال مجموعة متكاملة من المفاهيم و المبادئ و الأنظمة و الخدمات التي تهدف بالأساس إلى تحقيق الرعاية الصحية حسب أعمار المتعلمين، وتعزيز الوضع الصحي في المدارس و بالتالي في المجتمع، مع التركيز على تحقيق مجموعة من الأهداف بمشاركة كل المتدخلين ابتداء من التخطيط و التنفيذ و المتابعة للأنشطة و البرامج الصحية ،و ذلك من أجل رفع مستوى الوعي الصحي و البيئي للتلاميذ ، وللنظافة الشخصية و العامة في المؤسسات التعليمية العمومية ، و كذا تحسين الوضع الصحي و الغذائي ، و العمل على تحسين البيئة المدرسية و المرافق الصحية و متابعتها، فضلا عن تحديد أولويات الاحتياجات الصحية بمشاركة المجتمع المدرسي، و تفعيل دور الأسرة و المؤسسات التعليمية..
وفي هذا المجال تتضمن كل الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين و المديريات الإقليمية للتعليم، مكاتب تهتم بالصحة المدرسية، و تبرمج الوزارة أنشطة بهدف حماية و مراقبة صحة التلاميذ و محاربة و تتبع الأمراض المعدية ، وتقوم وحدة صحية ملحقة بوزارة الصحة بالقيام بهذه المهمة ، بتنسيق مع الأكاديميات الجهوية و المديريات الإقليمية للتعليم ، عبر برمجة أنشطة و خدمات تهم الأطفال المتمدرسين ،تنفذها المدارس بتنسيق مع مكاتب الصحة المدرسية ، فضلا عن تتبع تنفيذ البرامج الوطنية للنهوض بالصحة المدرسية، على بنايات قارة داخل المؤسسات التعليمية، أو في المراكز الصحية، و تخصص لها وسائل بشرية و مادية هائلة لضمان وقاية صحية تحمي جميع الفئات المدرسية، بحيث تقوم بتقديم الخدمات و التوعية الصحية لتحقيق الأهداف المسطرة ، فضلا عن تنظيم و إعداد و تنفيذ برنامج العمل السنوي بتنسيق مع الجهات المعنية حول القضايا المرتبطة بالصحة المدرسية و الوقاية الصحية، لتحصين التلاميذ من الأمراض ، بإجراء الفحوصات الضرورية و متابعة علاج الحالات المرضية و تقديم الدعم اللازم لها ، والإشراف على تدبير الدفاتر الصحية المدرسية للتلاميذ من حيث الاقتناء و الحفظ و التعبئة و متابعة تغطية حملات تلقيح التلاميذ و فحوصات التقصي بالتعاون مع وزارة الصحة و الحماية الاجتماعية ، والمؤسسات غير الحكومية و رصد الإصابات و الحالات المرضية و متابعة التحويلات العلاجية و تتبع ملفات الحوادث المدرسية بجمع المعطيات حولها و استثمارها واقتراح الإجراءات الكفيلة لمعالجتها و الحد منها للعلاج و تتبع انطلاق الحملة التحسيسية للسلامة الطرقية و الوقاية من حوادث السير في الوسط التعليمي… وتقديم الأدوات المساندة للتلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة، و القيام بحملات تحسيسية بهدف بناء مهارات تمكنهم من التعامل بفعالية و إيجابية مع تحديات الحياة اليومية، و تعزيز المعارف و التوجهات و السلوكيات الصحية لدى التلاميذ من خلال المناهج و البرامج و الأنشطة التي تتضمن التدريب المستمر للفئات المستهدفة ،و إحياء المناسبات الوطنية و الإقليمية و العالمية ، و المشاركة في حملات التوعية و إنتاج المواد التثقيفية و متابعة تفعيلها في المدارس و التركيز في البرامج الصحية على تعليم المهارات الحياتية ، بهدف تبني التلاميذ نمط حياة صحية سليمة، داخل بيئة صحية معززة للعملية التعليمية من خلال تتبع أنشطة المراقبة الصحية لمؤسسات التربية و التعليم العمومي ،و كذا لمؤسسات التكوين ، فضلا عن المراقبة الصحية و الطبية للداخليات و المطاعم المدرسية ، و تحسين البيئة المدرسية كالحدائق و المرافق الصحية و إجراء أعمال الصيانة وفق معايير البيئة الصحية المدرسية، إضافة إلى تفعيل الأندية الصحية و البيئية المدرسية، وتدريب التلاميذ وفق نهج (من التلميذ إلى التلميذ) لزيادة الوعي الصحي و البيئي و تعزيز السلوكيات المحافظة على الصحة و البيئة ..
وتماشيا مع استراتيجية وزارة التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة ، تعمل الأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين و المديريات الإقليمية للتعليم بتنسيق مع الشركاء الاجتماعيين على تحسين الوضع الغذائي للتلاميذ و بناء سلوك غذائي سليم، يشمل تتبع أنشطة المراقبة الصحية و المراقبة الطبية للداخليات و المطاعم المدرسية ، مع تحسين الوعي الغذائي و نوعية الأغذية المقدمة للطلبة، و متابعة مدى مطابقة و التزام المقاصف المدرسية للمعايير الصحية الوطنية، فضلا عن التنسيق المستمر مع مقدمي الخدمات الصحية مثل وزارة الصحة والمؤسسات الغير الحكومية، فيما يخص تنظيم حملات للفحوص الطبية لتلاميذ السنة الأولى الابتدائية والإعدادية إلى جانب تلاميذ التعليم الأولي…. وعلى رأس ذلك ضعاف البصر المحتاجين إلى النظارات وحالات تسوس الأسنان المبكر لدى الأطفال والذي قد يتسبب في أمراض مزمنة (كروماتيزم القلب) …… وتعد الفحوصات الطبية المنتظمة من الأنشطة الأساسية المدرجة ضمن البرنامج الوطني للصحة المدرسية، والتي تهدف إلى فحص التلاميذ وتشخيص الحالات المرضية، لتتبعها بالعلاج والتدخل الطبي المبكر…، إلا أن هذه التدخلات عادة تكاد تكون شبه منعدمة أو محتشمة ….
ولوقف الاختلالات الصحية التي تهم المدرسة المغربية، شرعت الوزارة منذ الموسم الدراسي 1999/2000 في تنظيم العملية وفق خطة جديدة، وحددت لها ثلاثة أهداف، وهي استفادة كل الأطفال المستهدفين من الفحوص، ومراقبة مواعد تلقيحات الأطفال، وتعبئة الملف الصحي.
كما جاء المشروع E1P13 من المخطط الاستعجالي بتدابير وإجراءات كثيرة لأجل تقوية خدمات وأنشطة الصحة المدرسية والأمن الإنساني في الوسط المدرسي، العمليات التي تتم تحت إشراف المديريات الإقليمية للتعليم والأكاديميات الجهوية للتربية و التكوين بمشاركة أطر تربوية وأطر الصحة المدرسية، والسلطات المحلية وأسر التلاميذ…. حيث أنه خلال الموسم الدراسي 2010/2011 تم تزويد المؤسسات التعليمية ببعض الأدوية خاصة بالإسعافات الأولية إلا أنها بقيت حبيسة الحقيبة الدوائية بالإدارة التربوية و تم وقفها ، لعدم دراية هذه الأخيرة بطرق استعمالها ، في ظل غياب تام لمسير المصحة المدرسية ، الذي تواجده أصبح أمرا ضروريا للمراقبة الصحية للتلميذ(ة) و مساعدة الطالب و الطالبة أثناء سن المراهقة خاصة في حالة التفكك الأسري ، الذي يكون أرضاً خصبة لدخوله عالم الانحراف لعدم وجود من يهتم به ، وأول من كان سيكتشف حالة هذا التلميذ/ الطالب هو المكلف بتسيير المصحة المدرسة ، حيث من خلال مظهر المتمدرس يتضح أنه يعاني من أمراض معينة ، أو لا يوجد عليه رقابة منزلية وأن هناك ما يشغل باله ، في هذه الحالة لا يقل دور مسير المصحة المدرسية عن دور الأخصائي الاجتماعي وسيكون هو الوسيط الجيد ما بين أسرة التلميذ وإدارة المؤسسة ، مما يتطلب إحياء هذه المصحات المدرسية لتساير البرنامج الوطني للصحة المدرسية ،التي تم تغييبها رغم المراسلة الوزارية رقم 152578 بتاريخ 12/11/1991 ، المتعلقة بالنهوض بميدان الصحة المدرسية ، التي لا يمكن تحقيق غاياتها و أهدافها المنشودة ، لأن المصحات المدرسية مكون أساسي في حياة المتعلم لضمان أسباب المساعدة على النمو السليم للتلميذ من اجل تحقيق التعلم في ظروف صحية مناسبة ، علما أن ضعف الصحة المدرسية يصبح ركنا إضافيا يؤثر سلبا على أداء المتعلم وعلى المنظومة التربوية عامة ، حيث إن وجدت ، ستلعب دورا كبيرا في الحياة المدرسية ، بخصوص الإسعافات الأولية لبعض الحوادث التي تحدث للتلاميذ و الأساتذة داخل المؤسسات التعليمية وكذلك في متابعة الحالة الصحية والنظافة الشخصية للتلميذ و ما يعانيه من مشاكل أسرية أو اضطرابات جسدية و نفسية …
وعليه فإن الصحة المدرسية تحتاج إلى رؤية جديدة في التعاطي مع صحة المتعلم، وألا تبقى حبيسة المذكرات الوزارية والتظاهرات والورشات داخل القاعات المغلقة، حتى تلعب كل من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية دورهما في خدمة المنظومة التربوية.