أخبار عاجلة
prev next

جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلميذ مكملا أساسيا للجهود الرسمية ووسيلة فاعلة لتدعيم المنظومة التربوية وتحقيق مضامن خريطة الطريق 2022/2026

خولاني عبد القادر

 

التطور الذي عرفه المجتمع المغربي أصبح الوعي بخلق التنظيمات الجمعوية أكثر إلحاحا نظرا لتشعب ضروريات الحياتية للفرد والمجتمع أمام عجز الأجهزة الحكومية لوحدها لتلبيتها، وبالتالي كان دور الجمعيات مكملا أحيانا للجهود الرسمية ومبدعا وخلاقـا في أحيان أخرى، وفي المغرب ينمو الفكر الجمعوي بوتيرة متسارعة، وبتلقائية كبيرة، نابعا عن قناعات الإنسان المغربي ــ عبر التاريخ ــ الدينية منها والاجتماعية بحتمية التكافل والتعاون.

 

ونخص بالذكر هنا جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلميذ، فالمتتبع لمسار هذه الجمعيات في علاقتها بالمؤسسات التعليمية و المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية والوزارة الوصية، عادة ما تقف عند مرحلة التأسيس التي تشكلت فيها هذه الجمعيات منذ الستينات وفق ظهير 1958، وهو الإطار المرجعي العام الذي يؤسس لوجود جمعيات الآباء، باعتبارها جمعيات مستقلة ووسيلة فاعلة لتدعيم المنظومة التربوية بتعزيز جهود الوزارة الوصية في مجال الإصلاح التربوي والتعليمي، من خلال مساعدة المؤسسات التعليمية على القيام بوظائفها التربوية.

وعلى هذا الأساس عملت الوزارة الوصية عبر مراحل على إصدار مجموعة من المذكرات، تؤسس لعلاقة شراكة حقيقية بين المؤسسات التعليمية وجمعيات الآباء و الأولياء، ويتعلق الأمر بالمذكرة رقم 03 المؤرخة في 03 ذي الحجة 04/1426 يناير 2006 “بشأن تفعيل دور جمعيات آباء وأولياء التلاميذ” وتعتبر من أهم المذكرات المؤسسة للعلاقة بين جمعيات الآباء والمؤسسات التعليمية، وقد صدرت في إطار تفعيل أدوار جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، والتي تم من خلالها تحديد مجلات تدخلها ومستلزمات الارتقاء بهذه الأدوار والتزاماتها مع تأكيد مكانتها المتميزة من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين والنصوص القانونية، حتى جعلت الوزارة جمعيات الآباء شريكا فعليا في إصلاح منظومة التربية والتكوين، كما تم الإقرار بدورها الفعال في الإصلاح باعتبار تواجدها كجمعية مستقلة داخل المؤسسات التعليمية العمومية و الخصوصية، تجسد حضورها في عدة آليات لها دور في تدبير المنظومة التربوية من خلال تمثيليتها بالمجلس الإداري للأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين ، وفي مجالس المؤسسة ، مجلس التدبير والمجلس التربوي ومجالس الأقاليم، ما عدا المجالس التعليمية.

 

كما أن الظهير رقم 1-05-152 الصادر في 11 من محرم 1428 (10 فبراير 2006) المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الأعلى للتعليم، خص جمعيات آباء وأولياء التلاميذ باهتمام خاص، من خلال اشراكها في تركيبة هذا المجلس (3 ممثلين) عن طريق التعيين، من خلال نصوص تنظيمية مرتبطة بمرحلة تفعيل توجهات الميثاق، حتى أصبحت جمعيات الآباء فاعلا أساسيا في المنظومة التربوية تضطلع بدور فعال وهام في مد جسور التواصل بين المؤسسات التعليمية والأسر، وفي نسج الروابط الاجتماعية والعلاقات بينها وبين مختلف الأطر التربوية والإدارية وفي تطوير خدماتها، والمساهمة في إشعاعها الاجتماعي والثقافي والفني والرياضي، بكون قضية التعليم هي قضية جميع مكونات المجتمع المغربي و لا تقتصر فقط على الوزارة الوصية لوحدها، بحيث يجب على الجميع تحمل مسؤوليته من موقعه إذا أردنا تحقيق بالفعل أهداف مضامين خارطة الطريق 2022/2026 التي تروم إلى الرفع من الإمكانات التدبيرية وتحسين جودة التعلمات داخل المؤسسات التعليمية لتحقيق الجودة المنشودة.

ولتعزيز مكانة جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ أصبحت خاضعة لقواعد اشتغال جديدة، وفق مرسوم رقم 2.20.475، جاء تطبيقا لمقتضيات القانون رقم 51.17 الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، حيث أن جوهر هذا القانون يكمن في إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تتوخى تأهيل الرأسمال البشري، مستندة إلى ركيزتي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى، بغية تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع، و هذا لن يتأتى إلا بجعل الجمعيات يقومون بتأطير وتيسير انخراط أمهات وآباء وأولويات التلميذات والتلاميذ في الشأن التربوي والإسهام في الارتقاء بمؤسسات التربية والتكوين وتطوير أدائها، مع التقيد بمقتضيات النظام الداخلي للمؤسسات، ولما عقد اجتماعات دورية مع الإدارة، واحترام اختصاصات وصلاحيات الفاعلين التربويين، والمساهمة في وضع مشروع المؤسسات وتفعليه وتقديم الدعم التربوي والاجتماعي اللازمين للقضاء على كل أشكال الانقطاع والهدر المدرسي.

 

ومع هذا فمجموعة من  المتدخلين في العملية التعليمية من أساتذة و مدراء المؤسسات التعليمية ورؤساء الجمعيات، أجمعوا على أن جمعية أمهات وآباء وأولياء التلميذات والتلاميذ بالمغرب تعيش مجموعة من الاكراهات التي تعوق عملها و المتمثلة في ضعف التواصل مع مكونات المحيط المدرسي و ضعف تمثيلية المرأة داخل هذه الجمعيات وضعف التكوين و التأهيل، و ضعف المشاركة في الجوع العامة تأسيس أو تجديد المكتب، مع إصرار البعض على أن تبقى هذه الجمعيات تمارس دورها التقليدي المتمثلة بالأساس في الدعم المادي مما يجعل دورها محدودا و غير ذا قيمة  مبتعدة عن دورها الحقيقي  في التطوير و تنمية العملية التعليمية مع احترام الضوابط الواجب الالتزام بها، التي تنظمها المذكرات الوزارية.

 

إلا أنه نجد أن بعض جمعيات آباء وأمهات التلاميذ  والتلميذات، لا تمارس دورها الحقيقي كما يجب ، بقدر ما تحاول تعكير صفو المؤسسة لعدة أسباب / سياسية ، انتخابية …، مما يخلق جوا من التوتر والفوضى داخل المؤسسة ، إضافة إلى أنه عادة ما يتم  انتخاب بعض مكاتب الجمعيات في جو مشحون و غير ديمقراطي، أو حصر أعضاء المكتب في رجال التعليم داخل المؤسسات، و اكتفاء بعض الجمعيات بجمع الانخراطات، إلى درجة تصرف الرئيس في مداخيلها لحسابه الخاص، مع تهميش دور باقي الأعضاء، كما يلجأ بعض رؤساء الجمعيات إلى جعل الجمعية وسيلة للانتقام من الإدارة التربوية و الأساتذة لأسباب ذاتية، حيث يقوم بتعطيل كل العمليات  وخلق البلبلة داخل المؤسسة، وأحيانا لأسباب انتخابية.

 

وفي المقابل يرى آخرون أن الكثير من الجمعيات تضحي من وقتها، رغم ما قد يصدر من أخطاء، نتيجة سوء التقدير والفهم، ومع هذا يتم تهميشها وتقزيم دورها من طرف بعض إدارات المؤسسات التعليمية، معتبرين وجودها كممول مالي لا أكثر، وأحيانا يتم انتخاب مكاتب ضعيفة شبه ميتة، حتى يتسنى للبعض التصرف باسم مكتب مشلول أو شبه غائب.

 

ومع هذا نرى أنه في بعض المؤسسات التعليمية نجد جمعيات تبذل مجهودات جبارة، حتى أصبحت شريكا ضروريا، نظرا لتضحية أعضائها وحضورهم الوازن ومساهمتهم الفعالة في تدعيم العملية التعليمية، إلى درجة أنك في بعض مؤسسات التعليم لا تميز بين رئيس المؤسسة ورئيس الجمعية، لكثرة تواجد الطرفين وكثرة توافقهم.

 

ونستخلص من كل هذا أن جمعية آباء وأمهات التلاميذ والتلميذات شريك لا مناص منه، والتعامل معه بإيجابية، قد يساعد على تنزيل بنود قانون الإطار 51/17 ويقدم للمؤسسات التعليمية دعما قويا في شتى المجالات: التربوية والثقافية والرياضية، وإشراكها في تحمل الثقل التربوي أصبح ضرورة ملحة للتغلب على الصعوبات التي تواجهها المؤسسات التعليمة، بعقد شراكات واسعة معها، قصد جعل الجمعية شريكا حقيقيا مساهما بفعالية وجدية في إصلاح المدرسة المغربية، والارتقاء بأدوارها انطلاقا من النصوص التشريعية والتنظيمية المعتمدة في المنظومة التربوية، و ذلك من خلال مساهمتها في مختلف الأنشطة المدرسية وفي منظومة الإصلاح، بما يمكن من تحقيق تكامل وظيفي يبين أدوار الأسرة والمدرسة كشريكين أساسيين في العملية التربوية، وذلك من خلال تمثيلها كاطار مدني تربوي، كحلقة وصل وتفاعل أساسية بين المدرسة المغربية والأسر، ليس لكونها  تشكل أحد المكونات للنسيج الجمعوي المغربي، باعتبار امتدادها المجالي الواسع الانتشار،  ودينامية اشتغالها التطوعي في خدمة الشأن العام التربوي، فحسب ، وإنما لاضطلاعها أيضا   بأدوار إقليمية و جهوية و مركزية في مد جسور التواصل الفعال  والتعاون المستمر مع الهيئات الإدارية العاملة بمؤسسات التربية والتعليم العمومي،  ومع مختلف مستويات تدبير المنظومة التربوية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أخبار عاجلة
prev next