المحاماة المحروسة !
العياشي الفرفار
بمدينتي القريبة من الشمس، كما قال ذلك شكسبير يوما عن المغرب/مراكش، ربما هذا يساعدنا في فهم طبيعة السلوك الساخن، وأن الكبرياء قبل الطعام لدى أهل بلدي، أتذكر قصة في هذا السياق، فلاح بسيط يعيش من القليل من عائد الأرض وبالكثير من الصبر، نجح ابنه في امتحان المحاماة فرحة بالدوار، وليمة وزغاريد النساء.
الرجل البسيط لم يصدق أن الولوج مشروط بدفع مصاريف التسجيل الكبيرة، ملايين السنتيمات.
عشت هذه اللحظات القاسية، لم يضجر، لم يغضب كان يردد أن ابنه سيدافع عن الفقراء والبسطاء بالحق وهذا مراعاة للفخر. على الأقل هو لم يبع أرضه من اجل تأمين مصاريف الهجرة عبر قوارب الموت و الحياة.
لم يكن امامه خيار سوى بيع ارضه، ان يتخلى عن روحه من أجل ابنه، لحظات قاسية لكن الكبرياء و الانفة لمن يعيش قريبا من الشمس كافية لكي لا يتردد، أن يموت الأب لكي يعيش الابن. إنه عنوان ما يقع بمدينتي حيت الحكايات تتشابه!
طرحت سؤال حول الارتفاع الغير المبرر لمصاريف التسجيل، وأعدت طرحه عشرات المرات دون اقتناع بجواب لسؤال حارق.
إنه السؤال المحير : من يحرس المهنة؟ و لماذا تحرس ؟ ومن يحاول تسييج مهنة ينبغي أن تكون أرضا للكفاءة، وحسن الترافع عن الحق وبالقانون؟
منطق التسييج والتسوير هو آلية لحماية المهنة، و شرف المهنة وقيمة المهنة من الإساءة وتبديد رأسمالها الرمزي و القيمي.
ثمة فرضية تفرض نفسها من أجل فهم دواعي الحماية والحراسة، من المتسللين والذين لا يملكون إمكانيات الترافع والدفاع عن الحق، لأن أرض المحاماة هي أرض الاقناع ومخاطبة وجدان و عقل القاضي وكل آليات وأدوات الإثبات انتصارا للحق.
منطق الانتصار للحق عبر الاقناع قد يكون منطقا إنسانيا و بالتالي عالميا، وهو ما يتقاطع مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث متفق عليه حين قال : “إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ”.
أرض المحاماة المحروسة كانت أرضا مقدسة، حيت ممنوع على المحامي الترافع عن القضايا التي يعرف انها لن تربح، و ان لا يترافع بمعطيات مضللة، و غيرها من الواجبات الأخلاقية والتي جعلت من المحامي جنديا يدافع عن الحقيقة، كما يدافع الجندي عن الوطن، لدرجة ان الملك الروماني “أفطيموس” الذي أصدر تشريعا ساوى فيها بين المحامين ورجال الجيش الذين كانوا أعلى القوم جاهاً وأرفعهم شأناً .
في التجربة اليونانية كانت قاعة المحكمة حيت تخاض المرافعات ترُش بالماء المطهر، إشارة إلى أنه يجب ألا يجري فيه من الأعمال، ولا يُتكلم فيه من الأقوال إلا ما كان طاهراً.
الحراسة تقتضي النزاهة ترسيخ قيم الاستحقاق، لأن الطريق إلى المحاماة اهم من المحاماة ذاتها.
الطريق إلى المحاماة يقتضي خارطة طريق وحزمة إجراءات لاختيار من يستحق شرف المحامي/ المحارب من أجل الحق.
غير أن حكاية الفلاح الذي باع أرضه لتأمين مصاريف التسجيل، يفرض عادة التفكير في منطق الحراسة، والتي أصبحت مؤسسة على القدرة المالية، و ليس على الكفاءة المعرفية والترافعية والأخلاقية للمترشح.
ان يدفع المتمرن مئات الالاف من الدراهم، في الوقت الذي يستفيد المتمرنون في كافة المهن، و الوظائف تعويضا بسيطا يشكل تحفيزا من أجل انطلاقة جيدة في عالم جديد أمر في غاية الاستغراب.
تجربة الفلاح البسيط الذي باع أرضه من أجل تأمين مصاريف التسجيل هو فعل قاسي و عنيف، لكن صدمة نتائج مباراة المحاماة المثيرة للجدل و السخط ، جعلني اعتبر قصة الفلاح وابنه مجرد حكاية بسيطة، وأن حراس المهنة قرروا بناء جدار عازل، لا يحمي المهنة من المتسللين فقط، لكن قتلها بحرمانها من كفاءات الوطن.