حينما يكون المجنون أحكم من العاقل
لحسن كوجلي
رمقت لبرهة وأنا قاعد في مقهى احتسي قهوتي، شخصا يعاني من مرض نفسي، سريع الحركة، يمضي في الشارع الرئيسي بمركز افورار بإقليم أزيلال، يحمل على كتفه محفظة نسائية سوداء اللون، وفي يده مكنسة، وقف على بالوعة صرف مياه الأمطار، رمى بالمحفظة جانبا، وشرع في تنقية البالوعة بقدم المكنسة الخشبي.
انصرف في تحمل مشقة التنقية من بين فتوحات سياج البالوعة السميك، وهو يتحدث مع نفسه بكلمات عجزت عن التقاف معناها، انصرف في القيام بعمله بدون امر من احد ولا تملق ولا راغب في إرضاء احد او لمقابل مادي، الى ان استخرج من البالوعة كمية من التراب العالق بها ودفعه بالمكنسة بإحكام وعناية شديدة الى جانب الرصيف ومضى في سبيله نحو وجهة أخرى.
وتوفي قبل أيام قليلة شخصا من نفس الجماعة يعاني من نفس المرض، كان هو الاخر يحمل الازبال والاثقال، ظل الناس يستغلون جنونه لصالحهم الى ان لبى نداء ربه.
وكانت لي الرغبة الشديدة في ان يفتيني أحدا في الحالتين، وعن كيف ل “مجنون” أن يشمله الله تعالى بحسن التصرف، وفي مقابل ذلك تصد حلاوة الدنيا كثير من العقلاء وتعميهم عن رؤية الحق، خصوصا من اولائك الذين تعاظمت سلطتهم في البلاد.
ودب الوجع في نفسي حينما رأيت المريض يشق على نفسه من اجل تنقية بالوعة لا ناقة له فيها وجمل، فيما تابعت في مشهد نقيض شاحنتي أزبال جماعة أفورار تمضي مسرعة وعلى ظهرها اكواما من الازبال غير مغطات بالشباك تتطاير في الشارع العام وتتساقط فوق رؤوس المواطنين يسوقها من يسدد له راتب شهري من أموال الشعب.
وفي ختام هذا الرأي التمس من كافة الناس الحاملين للأفئدة الرحيمة والعقول الراقية ممن اغناهم الله من فضله ان يداوموا على تقديم العون لمثل هذه الفئة المنسية، عسى ان يكون لهم في ذلك اجرا كثيرا.