عز الدين سعيد الأصبحى
عملية إطلاق سراح عناصر من تنظيم القاعدة من قبل ميليشيات الحوثى ليس خبرا جديدا، فهو سلوك يؤكد تخادما مشتركا أكثر عمقا، لأجنحة التطرف التي تخرج من مشكاة واحدة مهما تنوعت أشكالها، ولكنه أيضا ليس ببعيد عن علاقة داعمي الحوثيين والقائمة باحتضان قيادات التطرف لديها.
تستفيد ميليشيات الحوثى من عناصر الإرهاب وتدعم بقاءهم، فهم يحققون نفس الهدف الأساسي لها المتمثل بضرب الاستقرار في مناطق الحكومة الشرعية وإقلاق الأمن الإقليمي والدولي، والأهم تعزيز حالة الرعب المجتمعى داخل اليمن، ونشر قيم التطرف والإرهاب، ابتداء من مظاهر التسلح والفوضى وانتهاء بحملات التكفير المجتمعي لكل صاحب رأي وموقف، وتعزيز مظاهر التشدد الذى يبرز بشكل جلي تجاه كل ما له علاقة بالنساء ومنظمات المجتمع المدني.
حيث عمدت سلطات الحوثي في صنعاء على إصدار سلسلة من الإجراءات المتشددة ضد النساء، من منع السفر والانتقال، نعم ممنوع على النساء مغادرة صنعاء إلا بمحرم من الدرجة الأولى، إلى إصدار تعليمات مشددة لمحال بيع الأزياء النسائية بالتقيد ببيع أزياء بمواصفات محددة تجمع بين الشكل الأفغاني واللون الأسود الخميني. وحتى تفتيش نيات الناس وليس فقط أوراقهم بممارسات مذلة من كل نقاط تفتيش المسافرين في أماكن سيطرتها، والعالم يبارك ذلك في صمت مخجل.
ناهيك عن دخول الأماكن العامة، وحرمان ممنهج لحق التعليم والتوظيف، بل وتعمد دفع عناصرها بالاعتداءات الجسدية على الناشطات والوجوه المجتمعية في الشارع العام، لإيصال رسائل سياسية واجتماعية.
وحتى لا يظهر مدى سوء الممارسات الممنهجة للإرهاب الحوثي المتزايد تجاه المجتمع، تعمد على تعزيز حضور كل أوجه التشدد في مناطق الشرعية، عبر دعم رموز لهذا التطرف ومن مذاهب أخرى، فقط تحمل نفس المضمون في إرهاب المجتمع وقمع أي مظاهر للحداثة أو قيم الديمقراطية، ليكون الحال من بعضه ولا تظهر عورات قمع الحوثي للمجتمع وحيدا.
ويصل الأمر بالحوثي إلى إطلاق عناصر القاعدة وأخواتها فى كل أماكن سيطرة الدولة الشرعية، لتحقيق هدفين أساسين :
الأول ضرب الاستقرار وخلق فوضى تدمر أي جهود لبناء الدولة، والثاني تأكيد أن خطاب الكراهية والتشدد بل والإرهاب المجتمعي، هو سمة عامة باليمن، وليس منهجا ميليشاويا.
والأمر لا يحتاج إلى دليل على هذا التخادم بين أجنحة التطرف والإرهاب، مهما اختلفت مذاهبها، من نشر نفس لغة العنف وخطاب الكراهية تجاه الآخر إلى محاربة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتجلى ذلك بشكل عملي وفعال تجاه حقوق النساء، وحقوق الأقليات، ويمكن إبراز عشرات الأمثلة اليومية، تجاه ما تعانيه الحركة الحقوقية، أو الممارسات التي تتم تجاه جماعات مثل الطائفة الإسماعيلية والبهائيين بل واللاجئين.
لذا ستجد عناصر عالية الصوت والمنبر تنشر خطاب التكفير وحملات التحريض والعنف في أماكن الشرعية تجاه قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وليس ضد الميليشيات الحوثية التي تقصف المدنيين ليل نهار، فالأولويات لهذه الجماعات ليس إنهاء التمرد واستعادة مؤسسات الدولة، وتحقيق الأمن وإنهاء القتل اليومي الذى يمارس ضد الشعب، بل مواجهة النساء والمجتمع المدني.
وستجد ممارسة سلطات الحوثي في أماكن سيطرتها تستهدف النساء والأقليات وكل صوت يطالب بالعدالة والإنصاف. بنفس النغمة لنجد أن هناك من يعمل على وصم كل المجتمع بالتشدد.
وهنا علينا القول إن التذكير بخطورة الانزلاق إلى دوامة العنف المجتمعي وجعل اليمن مأوى لكل رؤية متطرفة ليس هاجسا مبالغا فيه، بل هو واقع يتشكل ويعززه هذا الصمت الدولي من تنامى دعم كل ماله علاقة بالتشدد المذهبي، والانغلاق الفكري، وترسيخ خطاب الكراهية والتصدي المعادي لقيم الديمقراطية والانفتاح على العصر.
ومجرد جولة واحدة في مناهج الدرس وما يقدم للصغار من دورات تدريبية وتثقيفية، سندرك إلى أي مدى يختطف بلد الحضارة، الذى قدم للإنسانية أول ممارسة للديمقراطية من خلال تمكين خلّاق للنساء الحاكمات ومبدأ الشورى وتلك الشهادة الربانية العظيمة لليمنيات، في وصف الملكة بلقيس، (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أفتوني في أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
الآن يُراد اختطاف حرية الناس بين صراخ القاعدة وصرخة الحوثي، وأن يُحصر البلد الكبير بين عمامتين أكثر تشدداً من بعضهما، ولا فرق إلا في لون قماشهما بيضاء أو سوداء لا أكثر.
وأظنه أمرٌ عابرٌ مهما كانت قسوته، فهذا شعب الحكمة اليمانية أيضا وعليه أن ينجو ..وسينجو حتما.