بدأت تلوح في الأفق بوادر معركة ساخنة بين الأغلبية والمعارضة في غرفتي البرلمان، مع الدخول السياسي الجديد الذي يمثل مشروع قانون المالية للسنة الثالثة من عمر الحكومة عنوانها الرئيسي، حيث يستعد كل طرف للعب أوراقه بهذا الخصوص.
وما يزيد من حدة المواجهة المحتملة هو السياق العام الذي يهيمن عليه الغلاء وتداعيات الجفاف وشح الموارد المائية، فضلا عن ارتفاع نسبة البطالة ومشاكل التعليم وورش الحماية الاجتماعية الذي دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تسريع تنزيله وتفعيل الدعم المباشر الموجه للأسر المعوزة قبل نهاية العام الجاري.
أمام هذا الوضع المنبئ بعودة النقاش إلى الساحة السياسية بعد الجمود الذي سيطر عليها خلال فصل الصيف، اعتبر نور الدين مضيان، رئيس الفريق البرلماني لحزب الاستقلال بمجلس النواب، أن أهم نقطة يُستهل بها الدخول السياسي هي “قانون المالية وما يحمله من مستجدات”.
وأضاف مضيان، : “نعرف أن القانون المالي من الآليات الأساسية لتنزيل البرنامج الحكومي، الذي سطر مجموعة من البرامج؛ وفي مقدمتها ورش الحماية الاجتماعية كورش ملكي يستدعي ويتطلب آليات مسطرية ومادية ضخمة”.
وتابع مضيان موضحا: “لا بد من مواصلة العمل من أجل استكمال تنزيل برنامج الحماية الاجتماعية الذي يتطلب أغلفة مالية كبيرة”، مؤكدا أنه لا ينبغي نسيان “الأوراش الأخرى المتعلقة بالتنمية بصفة عامة، سواء على مستوى التجهيزات الأساسية أو على مستوى التعليم والطرق والماء الذي يبقى ورشا ملكيا بامتياز، يستدعي أغلفة مالية كبيرة”.
وأشار مضيان إلى أن “قانون المالية المرتقب سيأتي بالجديد في موضوع الماء، والتمويلات الاستثنائية لتوجيهات جلالة الملك في الموضوع”، معتبرا أن الإكراه الموجود للموارد المائية يأتي بعد “توالي سنوات الجفاف والخصاص الذي تعرفه هذه المادة الحيوية على مستوى الوطن”.
وأوضح رئيس الفريق الاستقلالي أنه بالنسبة للقوانين، ينتظر البرلمان إحالة الحكومة لـ”مشروع مدونة الأسرة ومشروع القانون الجنائي، وننتظر كذلك قانون الإضراب ومجموعة من القوانين التي ستحال على المجلس، إضافة إلى القوانين العادية وقانون العقوبات البديلة الموجود في البرلمان والقوانين”.
من جهته، اعتبر محمد ملال، النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية، أن الوضعية الاقتصادية التي يعيشها المغرب في ظل سنوات الجفاف وارتفاعات الأسعار في المواد الغذائية ومجموعة من الخدمات المتعلقة بالحياة اليومية للمغاربة ستكون من الملفات التي تهيمن على الدخول السياسي.
وأضاف ملال، ، أن مجموعة من المخططات الاستراتيجية تستدعي، في الدورة التشريعية المقبلة، أن يقوم البرلمان بدوره في تتبع “الأوراش الكبرى، خاصة ورش الحماية الاجتماعية الذي أكد خطاب العرش على ضرورة تنزيله في حدود هذه السنة”.
وأشار النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية إلى أن “الأزمة الاقتصادية والبطالة التي بلغت مستويات مقلقة وأزمة المياه والتغيرات المناخية التي جعلت مشكل الجفاف هيكلي بالبلاد ستكون حاضرة بدورها في النقاش”.
وشدد ملال على أن الحكومة والبرلمان مطالبان بـ”الإبداع في ابتكار حلول أخرى لمواجهة معضلة الجفاف”، مؤكدا على أهمية التحلي بالإبداع والابتكار في التعاطي مع هذه المشكلة التي تؤرق بال الدولة بمختلف مكوناتها.
كما اعتبر المتحدث ذاته أن موضوع الحكامة يطرح “أكثر من سؤال في المغرب، وعدد الملفات الموجودة أمام القضاء”، لافتا إلى أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات قدم “مؤشرات مخيفة، وإلى حدود الساعة الأمور تسير ببطء، والتفاعل الحكومي مع المؤسسات الدستورية ضعيف جدا، فلا مع المندوبية السامية للتخطيط ولا بنك المغرب ولا المجلس الاقتصادي والاجتماعي”.
وزاد النائب المعارض مبينا: “لا نرى إجراءات سريعة أو الرد من الحكومة على تقارير وملاحظات المؤسسات الدستورية، وهي تشتغل خارج الدستور في بعض الجوانب”، منتقدا وتيرة إصلاح التعليم مسجلا أن الحكومة “تشتغل بأمور خارج القانون الإطار، ولا تستمع لهذه المؤسسات”.
وأوضح ملال أن مشروع قانون المالية الذي كشفت المذكرة التأطيرية التي نشرتها الحكومة “لم نلمس فيه أي جديد ولم نلمس وجود أي إبداع فيه، أو يقدم نظرة جديدة حول القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي”.
وزاد النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي للمعارضة الاتحادية مهاجما “لم نر في المذكرة التأطيرية اي تشجيع للقطاع الخاص، على الرغم من أن الملك دعا إلى أن يكون القطاع الخاص والقطاع العام مساهمين بالتساوي في الاستثمار، ولم نر أي شيء من هذا”، معتبرا أن القطاع الخاص يواجه “معيقات كثيرة في الولوج للتمويل والعقار، ونلاحظ أن الحكومة متأخرة جدا في الوصول إلى المؤشرات التي قدمها النموذج التنموي، وعاجزة أو لا تمتلك الجرأة لتسريع وتيرة الإصلاح والتنزيل”.