التسلسل الزمني للتطرف ومحاربته في المغرب
ليلة 16 ماي 2003، ستهتز مدينة الدار البيضاء على وقع انفجارات بخمسة أماكن مختلفة و بشكل متزامن خلفت ما يقارب 45 قتيلا و 100 جريح، الشيء الذي خلف نوعا من الهلع في صفوف الشعب المغربي وأدى إلى التوصل إلى أن المغرب ليس استثناء.
وبالعودة إلى السياق التاريخي للتطرف الديني بالمغرب، سوف نجد أن عددا من العوامل أدت إلى تطور الظاهرة الجهادية نذكر من بينها ظهور الشبيبة الإسلامية سنوات السبعينيات، تأسيس المجالس العلمية كرد على الثورة الإيرانية وإغلاق معاهد السوسيولوجيا و شعبة الفلسفة. بعد ذلك كانت هناك بعض التحولات لعل أهمها تأسيس حركة المجاهدين المغاربة التي أرادت إسقاط النظام إلا أنها لم تحقق نجاحا. ثم الجهاد الأفغاني من 1981 إلى 1989، حيث انتقل العديد من المتطوعين المسلمين للجهاد في أفغانستان مما شكل نقطة تحول أساسية بحيث انتقل الجهاد من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي، كما تم إحداث الجمعية المغربية لمساندة الجهاد الأفغاني.
بداية التسعينات تميزت بظهور ألوية التيارات الجهادية كظاهرة الوداديات السكنية ببعض المدن المغربية، مجموعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي مارست نوعا من العنف على الصعيد المحلي، كل ذلك شكل الإرهاصات الأولى لتشكيل الظاهرة الجهادية بالمغرب.
في شهر غشت 1994، عرف المغرب أقدم عمل إرهابي بفندق (أطلس أسني آنذاك) بالمدينة الحمراء، حيث قام مسلحان ملثمان بإطلاق النار في شارع محمد السادس حاليا، و بالضبط عند مدخل الفندق مما أدى إلى مقتل سائحين إسبانيين وجرح سائحة فرنسية، كان ذلك قبل 9 سنوات من أحداث 16 ماي التي خلفت أكبر عدد من الضحايا، كما تميزت بكون أغلب منفذي العملية الإرهابية ينحدرون من أحد الأحياء المهمشة بالدار البيضاء، سيدي مومن. توالت بعد ذلك الأحداث الإرهابية بالمغرب كأحداث 11 مارس و 10 و 14 أبريل 2007 و تفجير مقهى أركانة بمراكش سنة 2011. الشيء الذي دفع بالمغرب لتكثيف الجهود في مجال مكافحة الإرهاب و التطرف الديني معتمدا سياسة استباقية أرفقها بمقاربة دينية.
المغرب في مواجهة التطرف
تركزت مقاربة الدولة لمحاربة التطرف الديني على أربع محاور أساسية شكلت اللبنة الأساسية لسياسة الدولة المستقبلية لمحاربة الخطر الذي ينتجه التطرف على المستوى الفكري و العملي.
1- الإصلاح الديني: كفاعل رئيسي و مركزي في المجال الديني في المغرب، تبنت الدولة مقاربة الإصلاح الديني كرد على استهداف التطرف للبلد، فبعد هجمات 16 ماي تحديدا، اتجهت الدولة لحل جميع الجماعات الدينية ذات الميولات الجهادية و المتطرفة، كما أوقفت رموز و دعاة هذا التوجه و أعادت سيطرتها على المساجد و التجمعات الدينية، كما استهدفت قطاع الأئمة و المرشدين و ذلك عبر:
– مشروع تدريب الأئمة في مارس 2015: حيث تم تدشين معهد محمد السادس لتدريب الأئمة والمرشدين والمرشدات، الذي يهدف إلى تحضير جيل جديد من الفقهاء المسلمين من أجل محاربة التطرف في الخطاب الديني.
و قد شمل هذا المشروع أئمة من المغرب و كذلك من الخارج، فإلى جانب 150 إماما و 100 مرشدة من المغرب، تم تدريب 447 إماما و مرشدة من إفريقيا و أوروبا، من ضمنها 212 من مالي، 37 من تونس، 100 من غينيا، 75 من ساحل العاج و 23 من فرنسا.
– مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، في يوليوز 2015 من أجل مساعدة العلماء الدينيين بإفريقيا و المغرب على تعزيز قيم التسامح والاعتدال الديني في القارة.
2- الجانب التنموي: ركزت الدولة أيضا على المجال الاقتصادي كعامل أساسي من عوامل تفشي التطرف الديني بالمجتمع حيث أطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 ضمن مشروعها التنموي لمحاربة الهشاشة و الفقر، و تحقيق بؤرها كأحياء الصفيح و المناطق المهمشة باعتبارها المرتع الرئيسي للتطرف بمختلف مظاهره.
3- إعادة تأهيل السجناء: و ذلك من خلال
- برنامج يهدف بالأساس إلى فرض نوع من التكوين و المراقبة الدينية من طرف مسئولين عن وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية والمجالس العلمية و الجهوية.
في 2013، تمت زيارة ما يقارب 5000 سجين، اليوم يمثل السجناء المتطرفون 1 في المئة من مجموع السجناء بالمغرب أي ما مجموعه 600 سجين من أصل 74000.
- مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، التي تلعب دورا أساسيا من خلال برنامج لدعم المشاريع الصغرى والتشغيل الذاتي. كما تهدف إلى إعادة الإدماج الاجتماعي لما يلعبه من دور في تقوية الأمن المجتمعي و مكافحة الانحراف و خلق أنشطة مدرة للدخل من خلال تحسين نوعية حياة السجناء السابقين.
4- المقاربة الأمنية
أجرى المغرب إصلاحات في أجهزة الشرطة و المخابرات، بما في ذلك إنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية من خلال دمج عناصر مختلفة من قطاع الأمن تحت مؤسسة مركزية، و يعمل المكتب على تعزيز الحكامة الأمنية على المستوى الوطني في إطار قانوني و شفاف (وفقا لتقرير وزارة الداخلية حول الإرهاب).
من جهة أخرى اعتمد مجلس النواب ، في يناير 2015، قانونا جديدا لمكافحة الإرهاب، يهدف إلى تعزيز التدابير القانونية لمنع المواطنين من مغادرة البلاد للانضمام إلى الجماعات الإرهابية الأجنبية.
في هذا السياق، قامت السلطات المغربية بتفكيك 168 خلية إرهابية منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 (21 خلية سنة 2015، 19 خلال سنة 2016، 9 سنة 2017، و 4 خلل سنة 2018 و عشرات الخلايا من سنة 2018 الى سنة 2023) حسب أرقام وزارة الداخلية.
ويجذر بالذكر أن أكثر من 50 خلية من الخلايا المفككة كانت على صلة بمواقع التوتر العالمية كأفغانستان، باكستان، العراق، سوريا و الساحل، مما خلف اعتقال أزيد من 2963 مشتبه به و إجهاض 341 مخططا إجراميا.
من جهة أخرى، فقد غادر ما يقارب 1600 مغربي للقتال في بؤر التوتر، من بينهم 147 عادوا إلى المغرب، تم اعتقال 132 منهم و توقيف 6 آخرين هموا لمغادرة التراب الوطني.
و كشف تقرير مغربي لدراسة الإرهاب والتطرف أن جهة الشمال تعرف أكبر نسبة من المعتقلين ضمن الخلايا الإرهابية (21 في المئة)، متبوعة بجهة فاس مكناس ب 16 في المئة، ثم جهة الشرق 14 في المئة، ثم جهة الدار البيضاء ب 12 في المئة و أخيرا جهة بني ملال خنيفرة ب 9 في المئة ، و هو ما يشكل نسبة 72 في المئة.
بينما 28 في المئة موزعة على 7 جهات و هي الرباط-سلا ب 8 في المئة، جهة مراكش آسفي ب 6 في المئة ، و 5 في المئة لكل من العيون و سوس ماسة ، و 2 في المئة لجهة كلميم واد نون و 1 في المئة لكل من جهة الداخلة، وادي الذهب و جهة درعة تافيلالت.
أما في ما يخص النوع، فقد شكل الذكور 95 في المئة من المعتقلين مقابل 5 في المئة فقط من الإناث، بعضهن قاصرات.