يبدو أن النقاش حول حقوق الإنسان. وتحديدا حقوق السجناء. يتجاوز، وفق التوجيهات الملكية السامية حدود النص التشريعي والدستوري. لمستوى التنزيل الفعلي لهاته الحقوق وجعلها منهاجا مؤسساتيا وأسلوب تدبير وتعامل. لكن يبدو أن إدارة سجن الأوداية بمراكش تغرد خارج سرب التوجيهاته الرسمية في مجال معاملة السجناء.
فالدستور المغربي والقانون المنظم للمؤسسات السجنية. اللذان يعتبران إطاراً قانونياً. يهدفان لحماية حقوق السجناء وضمان كرامتهم. والعمل على إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
وهي حقوق تبقى مصونة ومحفوظة وفق الأسس القانونية والدستورية المعتمدة بالمملكة المغربية. وهي غير قابلة لا للمصادرة ولا للسطو من قبل أي كان. وهي الحقوق التي ما فتئ جلالة الملك، “محمد السادس”، نصره الله. يؤكد عليها في مجمل خطبه السامية التي تعد بمثابة توجيه رسمي لكافة مؤسسات الدولة. وضمنها إدارة السجون.
في ظل هاته القناعة الدستورية، والنقاشات المفتوحة حول حقوق السجناء وإعادة تأهيلهم. تبرز حالة السجين “إبراهيم البنصر” الذي يقضي عقوبة محكومية في السجن المحلي “الأوداية” بمدينة “مراكش”. لتعكس لنا صورة قاثمة عن مستوى تعاطي الإدارة السجنية بالمؤسسة مع واقع هاته الحقوق الدستورية المنصوص عليها. وهو ما يستوجب الوقوف والمساءلة والمحاسبة على اعتبار أن هذا الفعل هو اعتداء على أعلى قانون في البلاد. وتعد على حقوق مواطنية يكفلها القانون ويرعاها عاهل البلاد المفدى والمؤسسات القائمة.
حيث يتم احتجاز السجين “إبراهيم البنصر” في ظروف قاسية. وفي ظل ممارسات قروسطوية متسمة ب”العزل” غير المبرر منذ عدة شهور. وهو ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية لاستعادة أسطرلاب العدل المغيب بسجن “الأوداية” بمراكش. ومنح السجين حقوقه كأحد رعايا عاهلنا المفدى وفق ما هو معمول به دستوريا وقانونيا.
حقوق السجناء وفق الدستور المغربي
وفقاً للفصل 23 من الدستور المغربي. يُعتبر الاعتقال أو الحبس مقيداً بضمانات أساسية. ضمنها عدم تعرض السجناء للتعذيب، أو أي معاملة قاسية أو لا إنسانية. كما يضمن لهم حقهم في المعاملة الكريمة التي تحفظ كرامة الإنسان. ويلزم أيضا بتوفير الرعاية الصحية للسجناء كجزء من التزام الدولة برعاية المواطنين. وهي الوقائع المغيبة قسرا في سجن “الأوداية” حيث أصبحت الحالة المعاشة تحيل إلى نوع من ممارسة العبودية في الاعتقال. عبر العزل كممارسات شادة لا تشرف صورة البلاد ولا تعكس احترام إدارة المؤسسة للتوجيهات الرسمية والمواثيق الدولية والعهود ذات الصلة.
الوضع اللاإنساني للسجين داخل المؤسسة
الوقائع من داخل المؤسسة تقول إن “إبراهيم البنصر” يعيش في عزلة تامة، معزول عن باقي السجناء. في وضعية حرمانه من التفاعل مع باقي السجناء بمبررات لا تمت بصلة لقواعد تدبير المؤسسات السجنية. ولا بالنصوص القانونية المنظمة لهاته المؤسسات. ولا للدستور المغربي أو المواثيق الدولية والعهود ذات الصلة. أو للتوجيهات المولوية السامية الداعية لاحترام الكرامة والإنسانية في التعاطي مع السجن والسجناء. وبالتالي فاستمرار عزله لفترات طويلة سيكون له انعكاسات سلبية على صحته النفسية. وإحساسه بالعزل عن المجتمع مما سينمي لديه حالة العداء. وهو ما سيزيد من حالة العدوانية لديه. وبالتالي يفقد التهذيب المنشود من قبل الإدارة العامة للسجون مرجعيته. وهو ما يثير تساؤلات حول مدى مشروعية هذا الإجراء.
الإطار القانوني في قانون المؤسسات السجنية
يحدد قانون المؤسسات السجنية في المغرب حقوق السجناء بوضوح ويكفل تنزيلها. ضمنها الحق في الرعاية الصحية. أي أن لجميع السجناء الحق في الوصول إلى الخدمات الطبية اللازمة. والتي يتم توفيرها داخل المؤسسات السجنية. وأيضا الحق في التواصل مع العالم الخارجي. أي أن السجناء يتمتعون بحقوق التواصل مع أسرهم ومحاميهم، من خلال الزيارات والمراسلات. فضلا عن الحق في التعليم والتأهيل، إذ يعمل القانون على توفير برامج تعليمية وتدريبية تهدف لإعادة تأهيل السجناء. وأيضا إعدادهم للاندماج في المجتمع بعد انتهاء فترة عقوبتهم. والحق في ممارسة الشعائر الدينية دون قيود، مع توفير الإمكانيات اللازمة لذلك.
وتشير العديد من الدراسات المنجزة إلى أن الاندماج الاجتماعي داخل المجتمع السجني يسهم بشكل كبير في إعادة تأهيل السجناء. وبالتالي فالعزلة المطولة لا تؤدي فقط إلى الشعور بالوحدة. بل قد تزيد من معدلات التوتر والقلق. مما قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات السلوك والاضطرابات النفسية.
فالقانون المغربي أولى السجناء العناية اللازمة وجعلها جزءا من الالتزام الوطني بتحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن التطبيق الفعلي لهذه الحقوق يتطلب مراقبة مستمرة لتنزيل هاته المرجعيات. كما هو الحال في سجن “الأوداية” حيث تنتهك حقوق سجين يودع السجن الانفرادي والعزل لمدة طويلة ضدا على القوانين المنظمة. والحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور المغربي. وأيضا تعاوناً بين مختلف الجهات المعنية. بما يضمن ظروف احتجاز متوافقة مع المعايير الإنسانية والدولية التي أقرها المغرب دستوريا. وألزم بالتالي كافة المؤسسات بأن تكيفها مع أسس حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
ضرورة تدخل الجهات الرسمية لتصحيح الاختلال وفك العزلة عن السجين “ابراهيم البنصر”
إن المطلوب رقابة مؤسساتية على الممارسات المرتكبة بسجن “الأوداية” بمراكش. وإعادة تقييم قرار العزل ومراجعة وضعية السجين “إبراهيم البنصر”. من خلال اتخاذ خطوات عاجلة لإعادته إلى بيئة اجتماعية آمنة داخل السجن. وأيضا تمكينه من الدعم النفسي. وذلك نظرا للأضرار النفسية التي لحقت به جراء هذا القرار المنتهك للحقوق. وأيضا مساعدته على الاندماج الفعلي الاجتماعي عبر مساعدته على التعامل مع ضغوط العزلة. إضافة لتعزيز التواصل مع الأسرة من خلال تسهيل الزيارات والتواصل مع عائلته لتقديم الدعم العاطفي اللازم. فضلا عن مراجعة السياسات السجنية من خلال الحاجة لمراجعة شاملة للسياسات المتعلقة بعزل السجناء. مع مراعاة حقوقهم الإنسانية. وممارسة الجهات المسؤولة رقابة مشددة على الممارسات المرتكبة داخل السجون المغربية. وذلك بما يضمن النظام وأيضا الكرامة الإنسانية للسجناء المغيبة في سجن “الأوداية” بمراكش.
فالوضعية الصعبة التي يعيشها السجين “إبراهيم البنصر” تتطلب تحركاً عاجلاً من المسؤولين لتحسين ظروف احتجازه. وأيضا ضمان حقه في العيش بكرامة داخل السجن. وهي دعوة لتعزيز قيم العدالة والإنسانية في النظام القضائي. مع ضرورة العمل على تحسين أوضاع السجون بما يضمن حقوق جميع النزلاء.
واقع العزل بسجن “الأوداية” وخدمة أجندة الدعايات المستهدفة لبلادنا
تأتي هاته الممارسات المرتكبة بسجن “الأوداية”، من خلال فرض عزلة طويلة على السجين “إبراهيم البنصر”. لتعزز كسلوكات إدارية فردية الحملات التي تشن ضد بلادنا في مجال حماية حقوق السجناء وكرامتهم. خاصة وأن تلك التقارير تتحدث عن “ممارسات للتعذيب والاعتداءات” داخل بعض السجون المغربية. وأيضا “انتهاكات حقوق السجناء”، بما في ذلك “التعذيب الجسدي” و”المعاملة القاسية”. إلى جانب “مصادرة حقوقهم الأساسية” التي يكفلها الدستور المغربي وقانون المؤسسات السجنية.
فعلى الرغم من الضمانات الدستورية والقانونية المتوفرة. فإن بعض الحالات تشير إلى تعرض السجناء لظروف قاسية. وهو ما يشكل خرقاً واضحاً لحقوق الإنسان. والذي يدخل ضمنه ممارسات العزل الانفرادي وسوء المعاملة كأمثلة على هاته الانتهاكات المسجلة. بآثار كل ذلك على الصحة النفسية والجسدية للسجناء.
كما أن العزل يعتبر اعتداء ومصادرة لحق أساسي من حقوق الإنسان في العيش ضمن الجماعة. وذلك في ظروف تتسم بالمعاملة الجيدة وتوفير كل أشكال الدعم النفسي والمعنوي لتحقيق اندماج فعلي للسجين في الحياة العامة. وذلك وفق التوجيهات المولوية السامية والنصوص الدستورية للمملكة الشريفة وقانون المؤسسات السجنية. والتي تعد إطاراً قانونياً يحمي حقوق السجناء. ولكن ويا للأسف تهدمها هاته الممارسات الشادة التي ترسم صورة قاثمة عن مغرب الحقوق والمؤسسات. وهو ما يقتضي تفعيل آليات الرقابة وضمان ملاحقة المسؤولين المخلين بالواجبات والمسؤولين عن هذه الانتهاكات.
كل ذلك يندرج في إطار استعادة الثقة في النظام القضائي والسجني في المغرب. بما يعزز الدعوات للإصلاح وتحقيق العدالة. فالسجناء ليسوا فقط أشخاصاً يقضون عقوبات. بل هم مواطنون لهم حقوق إنسانية يجب احترامها وفقاً للمعايير الوطنية والدولية.