في كل أمة، هناك فئات تظل راسخة في ذاكرتها الجماعية، تحمل في طياتها قصص الشجاعة والتضحية. من بين هذه الفئات، نجد قدماء المحاربين والمتقاعدين في الجيش الملكي، الذين خدموا وطنهم بإخلاص وتفانٍ، وعادوا بعد عقود من العطاء لمواجهة واقع يُنكر تضحياتهم ويعاني من تجاهلٍ واضح لحقوقهم الأساسية.
لا يخفى على أحد أن المتقاعدين من أعضاء الجيش الملكي قد عاشوا تجارب مهنية صعبة. لقد تحلوا بالشجاعة في أوقات الحرب والازمات، وتحملوا مسؤوليات جسيمة في سبيل حماية الوطن. لكن بعد كل تلك التضحيات، يجد هؤلاء الأفراد أنفسهم في خانة مهمشة، حيث يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية قاسية. فالراتب الذي يتحصلون عليه يكاد يكون غير كافٍ لتأمين حياة كريمة لهم ولعائلاتهم.
لقد أظهرت الدراسات أن العديد من المتقاعدين يجدون أنفسهم مجبرين على ممارسة أعمال شاقة، مثل حراسة المباني أو العمل في مهن غير مستقرة، في محاولة لسد الاحتياجات الأساسية. كيف يمكن لمجتمع أن يترك من خدموه بإخلاص يتذوق مرارة التهميش والفقر، بينما يُحتفل بهم في المناسبات الوطنية؟ إن هذا الجدل يطرح تساؤلات عميقة حول قيمة المواطنة والعدالة الاجتماعية.
إن من الضروري أن تعيد الحكومات النظر في سياساتها تجاه هذه الفئة. يجب أن يكون للمتقاعدين نصيب من العدالة الاجتماعية التي تمثل جوهر أي دولة متحضرة. فالتعويض المالي العادل لا يعد مجرد حق، بل هو واجب أخلاقي تفرضه القيم الإنسانية. وفي هذا السياق، يتعين على الدولة أن تسعى إلى تحسين مستحقات التقاعد، وتوفير برامج لدعم التأهيل المهني، ما يمكنهم من الاندماج في سوق العمل بمشاركة فاعلة، بل والعمل على خلق فرص جديدة تضمن لهم عيشاً كريماً.
يجب أيضًا أن يتصدر صوت المتقاعدين القضايا الاجتماعية والسياسية في البلاد. فعلينا جميعًا، كمجتمع، أن نكرم تضحياتهم بشكل ملموس، من خلال الاقتراحات الفعالة التي تحسن من أوضاعهم. إنه من الضروري أن نغرس قيم الاحترام والامتنان في ثقافتنا، لا أن نتركهم يعيشون في الظل.
إن تطوير سياسات فعالة للاعتناء بقدامى المحاربين والمتقاعدين ليس مجرد خيار، بل هو واجب وطني. فنحن مدينون لهم بالكثير، وعلينا أن نعيد لهم الكرامة التي يستحقونها. ومن خلال الالتزام الفعلي بدعمهم، يمكننا أن نبني مجتمعًا أكثر عدالة ورحمة، ينبض بحياة كريمة لكل من خدم وطنه بشجاعة وتفان.