خيانة الزمن وإعاقة الإصلاح الإعلامي، هل يتراجع القطاع نحو المجهول؟

بقلم الأستاذ محمد عيدني

في المشهد الإعلامي المغربي تتصاعد أصوات المسؤولين والمعنيين محذرين من مخاطر تأخر إصدار القوانين التي من شأنها تحديث وتنظيم القطاع. يكمن التحدي الأكبر في مقاومة لوبيات قوية تهدد مستقبل الصحافة الوطنية وتتربص بخيرها. حيث ينتظر القطاع منذ زمن طويل قوانين إصلاحية من شأنها تنظيم العمل الصحافي وتعزيز استقلالية الصحافة وترسيخ مبادئ الشفافية. لكن الزمن بات عدوا يعيق التقدم ويهدد مصداقية المؤسسات الإعلامية ويضع مستقبل قطاع حيوي على مفترق طرق محفوف بالمخاطر.

نداء من القلب وخيبة الأمل من التأخير

عبر رئيس النقابة الوطنية للصحافة عبد الكبير اخشيشن عن قلقه العميق من استمرار تأخير إصدار قوانين إصلاح منظومة الصحافة معتبرا أن هذا التأخير يحمل في طياته خطرا داهما على مستقبل القطاع ويعكس تجاهلا لمطالب المهنيين وأمل الشعب في إعلام حر ومستقل. شدد أخشيشن على ضرورة أن تتخذ الحكومة موقفا صارما في مواجهة اللوبيات المهيمنة على المشهد الإعلامي التي تعيق الإصلاحات بحجج واهية في محاولة لإطالة أمد السيطرة على مفاصل القطاع ومنع تمرير قوانين تضمن بيئة إعلامية صحية تتسم بالمهنية والاستقلالية.

اللوبيات وسر العرقلة

كان وزير الثقافة والشباب والتواصل محمد مهدي بنسعيد قد حذر بدوره من ضرورة الإصلاحات داعيا إلى بذل مزيد من الجهود لإصدار القوانين التي ستنظم العمل الإعلامي وتعيد التوازن. لكن الواقع يعكس وجود لوبيات ذات نفوذ واسع تمتلك قدرات كبيرة على تعطيل التغييرات وتواصل خدمة مصالحها الشخصية تحت ذريعة حماية مهنة الصحافة في وقت تتفاقم فيه الأزمات وتظل الحاجة لآليات تنظيمية أكثر صلابة قائمة.

هذه القوى التي تغطي مصالحها خلف شعارات الدفاع عن المهنة حاولت مرارا تأجيل الإصلاحات متذرعة بحماية الوظيفة في حين أن مصالحها الشخصية ترتكز على الحفاظ على الوضع الراهن على حساب المصداقية والشفافية والحريات الأساسية. تسيطر هذه اللوبيات على مفاصل القرار مشكلة عائقا حقيقيا أمام التقدم ومانعا من تطبيق قوانين عادلة تعزز مكانة الصحافة الوطنية.

هل يمكن الكشف عن خيوط اللعبة؟

يطرح المراقبون والمتابعون تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة الحكومة والنقابة على كشف خيوط هذا العمل الفاسد الذي يعيق مسار الإصلاح ويهدد استقرار المهنة رغم المحاولات اللفظية والإشارات الإعلامية إلى أهمية إصلاح القطاع. كل أسبوع يمر دون صدور التشريعات اللازمة يعمق من الأزمة ويسهل استشراء الفوضى ويخلق بيئة مواتية للمحاولات الرامية إلى تقويض مصداقية الإعلام والتلاعب بحرية الصحافة تحت مبررات زائفة ومصالح شخصية بحتة.

الوقت ينقضي والأمل يتلاشى هل من مخرج؟

في ظل هذه الصورة القاتمة تبرز حقيقة أن الوقت يخون الجميع وأن هذا الجمود يهدد مستقبل الإعلام الوطني وكل الأمل في أن يكون الصحافيون على قدر المسؤولية مؤهلين لتثبيت مبدأ الشفافية والديمقراطية وتحقيق استقلالية القطاع. إن ما نعيشه اليوم هو استنزاف لفرص الإصلاح وتحطيم لآمال مجتمع يتطلع إلى إعلام حر ومسؤول يعبر عن هموم الشعب ويعكس تطلعاته ويعمل على حماية مصلحة الوطن في ظل تحديات كبرى.

أية مسؤولية تنتظر القائمين على القطاع؟

المعركة لا تتوقف فقط عند إصدار القوانين بل تتعداها إلى ضرورة وضع مصلحة المهنة فوق كل اعتبار. الكباش الحاصل الآن هو امتحان حقيقي لوعي وهدف كل من يعنى بالتطوير الإعلامي. استمرار هذا الجمود يهدد بفوضى ويخاطر بإضعاف مناعة الإعلام الوطني في وقت تتفاقم فيه التحديات الخارجية والداخلية ويصبح الحفاظ على استقلالية الصحافة مسؤولية وطنية وواجبا أخلاقيا يتطلب تضافر الجميع من حكومة ونقابة وجهاز قضائي وكل الفاعلين في القطاع.

في الختام يبقى السؤال الأبرز: هل سنتمكن قبل فوات الأوان من استثمار اللحظة التاريخية والكشف عن الأوراق المخفية ووقف استهتار البعض بمصير مهنة الصحافة حفاظا على مستقبل القطاع وإعادة الثقة التي باتت على وشك الانعدام؟ أم أن الزمن مرة أخرى سيخوننا ويفتح صفحة لنهاية مأساوية لصحافة تستحق أكثر من ذلك بكثير؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.