هشام بلاوي: من “رجل الظل” إلى رأس النيابة العامة. قصة صعود ترسم معالم العدالة
بقلم الأستاذ محمد عيدني
الرباط، 12 مايو 2025 وفي حضرة العدالة السامية، وبإشارة ملكية سامية، خطت النيابة العامة فصلا جديدا، حين عين السيد هشام بلاوي وكيلا عاما للملك لدى محكمة النقض، ورئيسا للنيابة العامة. هذا الرجل، الذي أبصر النور في سلا عام 1977، لم يكن مجرد اسم يضاف إلى قوائم المسؤولين، بل هو قصة مسيرة تُروى بتفاصيل الصمت والكفاءة، وبخطى ثابتة نحو قمة العدالة.
هو ابن القانون بامتياز، حاملا لواء المعرفة بعمق، فمن جامعة محمد الخامس – أكدال، نال شهادة الدكتوراه في الحقوق، شعبة القانون الخاص عام 2013، ومذ ذاك الحين وهو يخط دروب العلم والعمل. وقبلها، في عام 2005، كانت له بصمة أخرى بدبلوم الدراسات العليا المعمقة، ليُصبح اسمه مرادفا للعلم القانوني.
في دهاليز العدالة، تسلل هشام بلاوي كظلٍ يعمل بصمت، بانيا صرحا من الخبرة التي لا تقاس بالأرقام فحسب، بل بأثرها. منذ عام 2017 وحتى 2018، كان رئيسا لديوان رئيس النيابة العامة، ثم ارتقى ليصبح كاتبا عاما برئاسة النيابة العامة منذ عام 2018، ليصبح “رجل الظل” الذي ينسج من خيوط عمله الدؤوب دعم لا يتوقف لجهود تطوير آليات العمل القضائي.
مسيرته لم تتوقف عند المناصب الإدارية، فقد كان عضوا فاعلا في لجان حيوية؛ ففي عام 2021، انضم إلى الهيئة المشتركة للتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل ورئاسة النيابة العامة. وفي عام 2022، كان له دور في لجنة الأرشيف القضائي، وفي 2023 ترأس لجنة المخالفات الضريبية، كلها محطات تؤكد عمق انخراطه في تطوير المنظومة القضائية.
التحق هشام بلاوي بالمعهد العالي للقضاء عام 2001، ليمهد لمسيرة بدأت كنائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب عام 2003، ثم نائبا في مكناس، وقاضيا ملحقا بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، وصولا إلى قاض مكلف بالسجل العدلي الوطني. بين عامي 2010 و2014، ترأس قسم العفو والإفراج المقيد بوزارة العدل والحريات، ليُعين بعدها رئيسا لديوان الوزير عام 2014، ثم رئيسا لقسم التدابير الزجرية.
لم يكن بلاوي مجرد موظف، بل كان معلما؛ أستاذا زائرا بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بسلا الجديدة، وأستاذا بالمعهد العالي للقضاء. وبصفته خبيرا في المادة الجنائية لدى اللجنة الأوروبية في إطار برنامج “ميدا عدل 2” بين عامي 2009 و2010، تجاوزت خبرته حدود الوطن.
في مراسم التنصيب المهيبة التي جرت يوم الأربعاء، 21 مايو 2025، بمقر محكمة النقض بالرباط، وبحضور كوكبة من كبار المسؤولين القضائيين والإداريين، في مقدمتهم السيد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، ألقى السيد بلاوي كلمة امتزجت فيها مشاعر الفخر بالمسؤولية.
أعرب عن عميق اعتزازه بالثقة الملكية السامية، واصفا إياها بـ”تاج” يكلل مسيرته، ومؤكدا امتنانه لدعم جلالة الملك المتواصل للسلطة القضائية. استذكر تضحيات القضاة الذين حملوا مشعل العدالة جيلا بعد جيل، مؤكدا عزمه على مواصلة العمل بمعية كافة الفاعلين من أجل الارتقاء بمستوى أدائها، وتكريس استقلال السلطة القضائية، وحفظ استقلال النيابة العامة، والسهر على التطبيق السليم والعادل للقانون.
وفي كلمته، تناول السيد بلاوي الدور المحوري للقضاء في تحقيق التنمية، معربا عن حرصه على تفعيل دور النيابة العامة في حفظ النظام العام الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، وتطلعه لمراجعة النظام الهيكلي لمصالحها لمواكبة هذه المهام. وشدد على أن النيابة العامة لن تذخر جهدا في المساهمة في تخليق الحياة العامة، بالتنسيق مع باقي الفاعلين، حماية للمال العام وتعزيزا لقيم النزاهة والشفافية.
وأكد انخراطه الكامل لتعزيز التنسيق والتكامل بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومأسسة التعاون بين المؤسستين، مع تعزيز علاقات التعاون مع مختلف الفاعلين في مجال العدالة، لا سيما الهيئة القضائية ووزارة العدل وهيئة الدفاع ومختلف المهن القانونية ومصالح الشرطة القضائية.
لقبه بـ”صديق رجال الصحافة”، ويُعرف باهتمامه الكبير بقضايا حقوق الإنسان، حيث شارك بفعالية في دورات تكوينية متخصصة للقضاة والفاعلين القضائيين حول مكافحة التعذيب وحماية الحريات. خبرته الواسعة وكفاءته العالية، التي أثبتها في تسيير المهام الصعبة والإشراف على المشاريع الهامة، تجعله خير خلف لخير سلف، في استمرارية لنهج الإصلاح والتطوير الذي بدأه سلفه الأستاذ الحسن الداكي.