تقرير: تداعيات حرب إيران وإسرائيل على المغرب من تحديات اقتصادية وجيوسياسية وأمنية
ياسين فرجي
بينما تتواصل المواجهة العسكرية المباشرة وغير المسبوقة بين إسرائيل وإيران للأسبوع الأول، مع استمرار الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية إيرانية ورد طهران بضربات صاروخية تستهدف مواقع حيوية إسرائيلية، تتجه الأنظار نحو الانعكاسات المتوقعة لهذه الحرب ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل على دول العالم بأسره، بما في ذلك المغرب، في ظل تنبؤات بانفجار أزمة اقتصادية عالمية.
تبعات اقتصادية عاجلة وتهديد الإمدادات الطاقية
المواجهة التي بدأت بهجوم إسرائيلي مباغت على منشآت نووية ومناطق عسكرية إيرانية فجر الجمعة 13 يونيو، تلاه هجوم صاروخي إيراني واسع على تل أبيب في اليوم ذاته، لم تتأخر تبعاتها الاقتصادية في الظهور. فقد شهدت أسعار النفط قفزة وارتفعت إلى أعلى مستوياتها خلال خمسة أشهر، مما يثير مخاوف جدية للدول المستوردة للنفط والغاز.
بالنسبة للمغرب، الذي يغطي أكثر من 95% من احتياجاته النفطية والغازية من السوق الدولية ويعتمد بشكل كبير على المصادر الأحفورية القادمة من الشرق الأوسط، فإن الارتفاع المفاجئ والحاد في أسعار النفط، الذي سجل زيادة تتراوح بين 8 و10% يوم الجمعة الماضية، سيكون له انعكاس مباشر على معيشة المواطنين الذين يشكون سلفا من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات.
ويضاف إلى ذلك، توقعات مراقبين اقتصاديين بأن تلجأ إيران، في حال تعرضها لضغوط دولية شديدة، إلى إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي تمر عبره يوميا حوالي 20 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات والمنتجات المكررة. سيناريو كهذا، سبق وأن حدث خلال حرب الخليج الأولى (1980-1988)، سيعيق حركة شحن النفط والغاز الطبيعي من دول الخليج العربي إلى الأسواق الدولية، مما سيؤدي إلى ارتفاعات كارثية في الأسعار وتأثيرات سلبية على الاقتصادات العالمية.
تأثيرات جيوسياسية وأمنية على شمال إفريقيا والمغرب
يرى الباحث في العلاقات الدولية، أنس الحيمر، أن تأثير المواجهة المسلحة في الشرق الأوسط على شمال إفريقيا يمكن فهمه من خلال ثلاثة مستويات متداخلة:
-
السياق الدولي الجديد: ما يشهده الشرق الأوسط يعكس “لحظة دولية جديدة” تتسم بتسارع ديناميكي يفوق قدرة الأدوات الدبلوماسية على المواكبة، في ظل تراجع دور الجماعات غير الحكومية وانهيار المعادلات التي كانت تنظم الحروب سابقا. هذا النمط من الفوضى قد يمتد إلى مناطق أخرى مثل شمال إفريقيا، بالنظر إلى الترابط بين بؤر النزاع.
-
طبيعة التفاعلات البينية: تتحول التفاعلات في مناطق النزاع من “رقعة الشطرنج الهادئة” إلى “حلبة المصارعة الحرة”، مع تكثيف استخدام القوة لتحقيق ضربة قاضية. ويحذر الحيمر من أن هذا النموذج قد يغري فاعلين آخرين باعتماده، مما يزيد من احتمالية انتشاره إلى مناطق توتر جديدة، بما في ذلك شمال إفريقيا.
-
تحول بنية العلاقات الدولية: العالم يتجاوز مرحلة الملفات الثنائية إلى مرحلة اصطفاف الملفات ضمن محورين عالميين، وهو تحول تعزز منذ حرب غزة والأزمة السورية والحرب الأوكرانية. هذا التبلور الجديد يعيد أجواء الحرب الباردة، ويضع مناطق مثل شمال إفريقيا في دائرة الخطر، من حيث احتمالات الاصطفاف والتورط غير المباشر في صراعات تتجاوز القدرة المحلية على الاحتمال.
وشدد الحيمر على أن التأثيرات على شمال إفريقيا، وإن لم تبلغ درجة الغليان التي يعيشها الشرق الأوسط، فإنها تظل قائمة بفعل الترابط البنيوي في النظام الدولي، واضطراب العلاقات الإقليمية في الضفة الغربية للمتوسط، مؤكدًا أن المسافة الجغرافية لا تعني العزل السياسي أو الأمني.
موقف المغرب بين المصالح والضغوط
بخصوص موقف المغرب من الصراع، يرى أنس الحيمر أن صانع القرار المغربي سيحافظ على علاقة دافئة إلى حد كبير مع المستوى السياسي الإسرائيلي لاعتبارات استراتيجية وأمنية واقتصادية، مع الاستجابة لنبض أغلبية شرائح الشعب المغربي من خلال “التسامح الموزون” مع تعبيرات القوى الحية عن رفض التجاوزات الإسرائيلية.
أما بخصوص إيران، فرغم الجفاء الحالي، يرى الحيمر أن من مصلحة المغرب كسب الورقة الإيرانية أو على الأقل تحييدها، بدل تركها تلعب في صالح المعسكر الجزائري. والهدف هو التقليل من أضرار قراراتها ومواقفها الجيوسياسية في منطقة شمال إفريقيا والساحل، حيث الوجود الإيراني يتصاعد. ويُشير إلى أن القاعدة الذهبية في علم السياسة تقتضي أن العداوات الدائمة لا تتسق مع الرؤية العقلانية، وأن مصلحة المغرب تكمن في محاولة إعادة العلاقات مع الجزائر وإيران، والسعي للتطبيع مع جنوب إفريقيا.
تطور الموقف الأمريكي وتداعياته
يتوقع الخبير الأمريكي في الشؤون الإيرانية، تريتا بارسي، أن الحرب الإسرائيلية الاختيارية مع إيران هي “أقل حسما بكثير مما كان يعتقده الرئيس دونالد ترامب في البداية”. ويرى بارسي أن هذا الصراع المتصاعد وغير الحاسم سيجبر ترامب قريبا على اتخاذ قرار صعب: إما إنهاء الحرب أو الدخول فيها. ويفهم من ذلك أن هناك فشلا استراتيجيا في تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية-الأمريكية على إيران، وأن النتيجة النهائية ستكون في صالح الطرف الذي يحارب “عن حق وبقوة وصلابة وعقلانية ونفس طويل”.
خلاصة التداعيات على المغرب:
تتعدد أبعاد تأثير الحرب بين إسرائيل وإيران على المغرب، رغم بعده الجغرافي عن ساحة الصراع المباشرة:
- الشق السياسي والدبلوماسي: قد يصبح المغرب، بحكم علاقاته مع إسرائيل، مستهدفا سياسيا أو إعلاميا من محور “المقاومة”. كما قد يتعرض لضغوط دبلوماسية في حال اتسع الصراع، وسيتعين عليه اتخاذ مواقف محسوبة دبلوماسيًا بسبب تحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة.
- الشق الأمني: قد تزيد التهديدات السيبرانية من إيران، وقد تحاول طهران استغلال الأزمة لإثارة التوترات داخل المجتمعات المغاربية عبر أدوات دينية أو سياسية، خاصة في ظل حديث الرباط المتكرر عن دور إيراني في دعم البوليساريو.
- الشق الاقتصادي: التأثير المباشر سيكون على أسعار النفط والغاز، مما يزيد من عبء الفاتورة الطاقية للمغرب. كما أن اضطراب التجارة العالمية بسبب توتر مضيق هرمز أو باب المندب سيؤثر على الإمدادات والسلاسل اللوجستية. وقد يتراجع الإقبال السياحي، الذي يعتمد عليه الاقتصاد المغربي بشكل مهم.
- الرأي العام الداخلي: الصراع قد يولد ضغطا شعبيا على الحكومة لإعادة تقييم العلاقات مع إسرائيل أو اتخاذ مواقف أكثر حيادا، كما قد يفاقم الانقسامات السياسية والفكرية بين المؤيدين للتطبيع والمعارضين له.
في الختام، فإن الحرب بين إسرائيل وإيران ليست مجرد صراع محلي، بل هي ذات بعد دولي تتشابك فيه خيوط السياسة والطاقة والدين والتحالفات. والمغرب، وإن لم يكن طرفا مباشرا، إلا أنه ليس بمنأى عن تداعياته، خاصة بحكم موقعه الجيوسياسي وتحالفاته الخارجية، مما يستدعي استشراف الوضع بتأن وتحليل دقيق لمآلات الاصطفافات الإقليمية والدولية.