وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على حزمة تمويلية بقيمة 250 مليون دولار، ذلك في خطوة استراتيجية تعكس التزام المجتمع الدولي بدعم جهود التنمية الاجتماعية في المغرب. ويأتي هذا التمويل في إطار مشروع طموح لتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي وتنمية رأس المال البشري، ويمثل جزءا من رؤية شاملة لتحسين فعالية نظام الحماية الاجتماعية في المملكة.
أهداف المشروع وسياقه التنموي
يرمي المشروع إلى دعم إصلاحات هيكلية في منظومة الحماية الاجتماعية من خلال:
- توسيع نطاق المزايا الاجتماعية لتشمل عددا أكبر من الأسر.
- تحسين استهداف الفئات الهشة، لا سيما الأسر في المناطق الريفية والنائية المتأثرة بتغير المناخ.
- ضمان وصول مستدام وعادل للتحويلات النقدية والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
- تعزيز الحوكمة والتنسيق بين المؤسسات المعنية لتقديم خدمات أكثر كفاءة.
حيث تأتي هذه المبادرة في وقت يواجه فيه المغرب جملة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تشمل ارتفاع معدل البطالة خاصة بين الشباب، الضغوط التضخمية وتكاليف المعيشة المرتفعة، والآثار المتزايدة لتغير المناخ خصوصا في المناطق القروية التي تعاني من الجفاف وندرة المياه. وفي هذا الإطار، تسعى الحكومة المغربية إلى تفعيل برنامج المزايا الاجتماعية المباشرة، والذي يستهدف أكثر من 3.9 ملايين أسرة بحلول مارس 2025، وهو ما يعد تحولا نوعيا نحو حماية اجتماعية أكثر شمولا واستدامة.
أثر متوقع
أكد أحمدو مصطفى ندياي، المدير الإقليمي للبنك الدولي في المغرب العربي، أن المغرب قد أظهر مرونة اقتصادية واجتماعية قوية، مشيرا إلى نجاحه في خفض معدل الفقر إلى 3.8% في عام 2022. لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي لتمكين الأسر من التصدي للصدمات الاقتصادية والمناخية، وتحفيز مشاركتها في الاقتصاد الوطني.
ومن المتوقع أن يكون للمشروع أثر اجتماعي مباشر عبر تحسين الظروف المعيشية للفئات الهشة ودعم المتأثرين بالتغير المناخي، مما يعزز العدالة الاجتماعية. اقتصاديا، سيحفز التمويل الطلب المحلي ويدعم الاقتصاد في المناطق الريفية، مع تعزيز مشاركة المرأة اقتصاديا. وعلى الصعيد المؤسساتي، سيساهم في تحسين البنية الرقمية لأنظمة الاستهداف والتحويلات، وتطوير أدوات المراقبة والتقييم، وزيادة الشفافية. كما يتماشى المشروع استراتيجيا مع الرؤية الملكية لتعميم الحماية الاجتماعية في أفق 2025، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
طبيعة التمويل والشروط المتوقعة
يندرج هذا التمويل غالبا ضمن “قروض دعم السياسات التنموية”، التي تمنح مقابل التزام الدول بتنفيذ إصلاحات هيكلية أو تطويرات مؤسسية، دون أن تمول مشاريع مادية مباشرة، بل تدعم الميزانية العامة للدولة.
ورغم عدم الإعلان الرسمي عن شروط تفصيلية قاسية، يتوقع أن تشمل الالتزامات المغربية ما يلي:
- تحسين الحوكمة والشفافية: تطوير أنظمة رقمية موحدة لرصد وتوجيه الدعم، مع تدقيق الاستهداف لضمان استفادة الأسر المؤهلة، وإحداث آليات للمراقبة والتقييم الدوري.
- توسيع قاعدة البيانات الاجتماعية الوطنية: دمج قواعد بيانات الفقر، والتغطية الصحية، والتعليم في نظام موحد لضمان التكامل بين الجهات.
- رفع فعالية التنسيق بين الوزارات والمؤسسات العمومية: تقليص تداخل الاختصاصات بين الجهات المعنية بالحماية الاجتماعية وإنشاء أو تحسين هيئات تنسيقية.
- إصلاح بعض أوجه دعم الدولة التقليدي: من المرجح أن يتطلب البنك ضبط الإنفاق على برامج الدعم غير المباشر (مثل دعم بعض المواد الأساسية)، لصالح دعم مباشر ومستهدف.
- الاستدامة المالية للبرنامج: إلزام الحكومة بتأمين موارد وطنية تدريجية لتمويل جزء أكبر من برامج الحماية الاجتماعية.
- الدمج متعدد الأبعاد: ربط التحويلات النقدية بالخدمات الأخرى كالصحة والتعليم والإدماج الاقتصادي للفئات الهشة.
وفي الختام، يبدو أن الشروط الأساسية لهذا المشروع “إصلاحية تنظيمية” أكثر منها “مالية تقشفية”، حيث يدعم البنك الدولي الحكومة مقابل التزامات بتحسين أداء مؤسسات الحماية الاجتماعية، وتعزيز الشفافية، وضمان وصول الدعم إلى مستحقيه. في حين يعد هذا المشروع محطة فارقة في مسار التحول الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب، كرافعة تنموية تعزز العدالة الاجتماعية وتطوير الإدارة العمومية وبناء اقتصاد أكثر شمولا ومناعة في وجه الأزمات.