في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد المجاعات، أصبحت ظاهرة غلاء الأسعار من أبرز المشكلات التي تواجه العديد من البلدان الأفريقية، خاصة تلك التي تعاني من ضعف الرقابة وضعف المؤسسات المسؤولة عن مراقبة الأسعار والجودة. وفي هذا السياق، يبرز سؤال محوري: من المسؤول الحقيقي عن استمرار ارتفاع الأثمان، خاصة في الأسواق غير المنظمة، حيث يتم البيع بأسعار خيالية ودون وجود أي مراقبة أو محاسب؟
غياب الرقابة وترك السوق لجهات انتهازية
المراقبة على الأسعار والجودة هو من صميم عمل الجهات الرسمية المختصة، مثل وزارة التجارة والجمارك، والمؤسسات المعنية بالمستهلك، التي يجب أن تضمن توازن السوق وتحافظ على حقوق المستهلكين. لكن، في العديد من الدول الأفريقية، تختفي هذه الرقابة خلف جدران بيروقراطية معطلة، أو تكون غير فاعلة نتيجة ضعف الموارد أو فساد المسؤولين. ونتيجة لذلك، أصبح التجار وأرباب الشركات يحددون الأسعار حسب أهوائهم، من دون رقيب، الأمر الذي يراعى معه غلاء غير مبرر وسلع استهلاكية ترتفع بشكل مستمر، يثقل كاهل المواطن ويهدد استقرار معيشته.
غياب المحاسبة وغياب الضوابط
وفي ظل غياب محاسب أو رقابة صارمة، يترك الأمر بين أيدي السوق الحر، الذي غالباً ما يتحول إلى سوق مفتوحة أمام المضاربة والاحتكار. فالبائع يبيع ما يريد بأسعار خيالية، والجمهور، وهو الفئة الأضعف، يتلقى صدمة الأسعار دون أن يكون لديه الوسائل لمواجهتها أو تقديم الشكاوى. والأدهى من ذلك، أن الجهات الرقابية تختفي، أو لا تملك الإمكانيات لمراقبة السوق بشكل فعال، ما يترك جيوب المغاربة تتعرض للنهب أمام أعين الجميع، ودون أدنى حسيب أو رقيب.
حتمية تدخل السلطات وتحقيق العدالة الاقتصادية
إذن، أين يكمن الحل؟ من الضروري أن تتدخل الحكومات بشكل جدي وفعال لضمان تطبيق قوانين حماية المستهلك، ووضع ضوابط صارمة على الأسعار والجودة، فضلا عن إنشاء هيئات رقابية مستقلة تتابع السوق باستمرار وتفرض العقوبات على كل من يسعى لاستغلال غلاء الأسعار. فالأمر لا يقتصر فقط على تنظيم السوق، وإنما أيضا على تفعيل العقوبات ضد المحتكرين والمخالفين، وتوفير آليات للمواطنين للإبلاغ عن المخالفات بشكل سهل، لضمان حماية جيوبهم من الاستنزاف.
ختاما تحرك من أجل مستقبل اقتصادي أكثر عدلا
وفي النهاية، لا يجب أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام استمرار هذه الظاهرة. فالمسؤولية مشتركة، تتطلب تنسيقًا بين المؤسسات الرسمية، وتوعية المواطنين بحقوقهم، والتشجيع على رقابة ذاتية ومجتمعية، ليكون المواطن هو الحاكم الحقيقي في مراقبة الأسعار والجودة. فحماية القدرة الشرائية للمغاربة، وتوفير حياة كريمة لهم، يستوجب وضع حدود واضحة لسلوكيات المتلاعبين في السوق، وفرض عقوبات صارمة على من يعبث بأرزاق الناس، غاية هذا كله هو بناء مستقبل أكثر عدلاً واستقرارًا، تضمن فيه حقوق المستهلكين وتردع كل من يهدد استقرار المجتمع.