الرشيدية: “خطارة” تبتلع حياة طفلتين وإهمال “المغرب غير النافع” يتجدد

mapmedias

في جماعة ملاعب النائية بإقليم الرشيدية، لفظت فتاتان، تبلغان من العمر 11 و14 سنة، أنفاسهما الأخيرة داخل “خطارة”، وهي قناة تقليدية تحت أرضية مخصصة للري، تحولت إلى فخ قاتل في غياب أبسط شروط السلامة والحماية.

هذه المأساة تُضاف إلى سلسلة طويلة من الحوادث المفجعة التي تسائل ضمير المؤسسات المحلية ومقاربتها تجاه “أطفال المغرب غير النافع”. ففي مناطق يغيب فيها الحد الأدنى من البنيات التحتية، ويختزل فيها مفهوم الترفيه في الهروب من الحر والفراغ، يجد الأطفال أنفسهم مرغمين على اللعب في أماكن مهجورة، خطيرة، وغير مهيأة مثل الخطارات، المستودعات المهجورة، محيطات السدود وحتى جنبات الطرق، التي تتحول إلى فضاءات للعب، حتى أضحت هذه الأماكن مقابر مفتوحة.

ما وقع في ملاعب ليس حادثا عابرا، بل هو نتاج مباشر لسياسات التهميش والإهمال المزمن. طفلتان تموتان لأن لا أحد من المسؤولين رأى ضرورة لإقامة فضاء آمن للعب، لأن الجماعة تفتقر إلى حديقة عمومية، أو ملعب بسيط، أو مركز تنشيط طفولي، ولأن الميزانيات تصرف على الأولويات السياسية الضيقة، والمهرجانات المناسباتية، وحملات التجميل الإعلامي، في حين يُترك الأطفال وحدهم يواجهون مصيرهم في فضاءات قاتلة.

أكثر ما يثير السخط في هذه المأساة هو أنها قابلة للتفادي، تماما كما كانت مآس سابقة مماثلة في أقاليم أخرى. لكن واقع حال الجماعات الترابية في المغرب العميق يُظهر أن سلامة الأطفال لا تدخل ضمن أولويات السياسات العمومية: لا برامج حقيقية للطفولة، لا خرائط للمخاطر، لا صيانة للبنيات التقليدية، ولا تدخل استباقي قبل أن يقع الفاجع.

التحقيقات التي قد تفتح، والبيانات الرسمية التي قد تصدر، لا تداوي جرحا بحجم فقدان طفلين كانا يبحثان فقط عن لحظة لعب. ما يطلبه المواطنون ليس رثاء متأخرا، بل عدالة اجتماعية، محاسبة للمسؤولين، واستثمارا حقيقيا في كرامة الإنسان، بدءا من الطفل. كل فاجعة من هذا النوع ليست فقط خسارة لعائلة، بل صفعة للضمير الجماعي، ورسالة واضحة مفادها أن التنمية التي لا تبدأ من تأمين حياة الأطفال، ليست تنمية، بل وهم مغلف بالشعارات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.