أزمة ديموغرافية صامتة تهديد مستقبل المغرب

ماب ميديا

يدق المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، ناقوس الخطر بشأن أزمة ديموغرافية صامتة لكنها عميقة تهدد مستقبل المغرب. فوفق أحدث المعطيات، تراجع معدل الخصوبة في المملكة بشكل حاد من 5.5 أطفال لكل امرأة سنة 1982 إلى 2.2 فقط في سنة 2025. إن هذا الانهيار الحاد لا يمكن اعتباره مجرد تغير رقمي، بل مؤشر على تحول بنيوي غير مسبوق في تركيبة الأسرة المغربية، مما يستدعي التفكير الجدي في تداعياته الاجتماعية والاقتصادية.

ويعكس هذا الانخفاض في معدل الإنجاب ليس فقط تغيراً في سلوك الأفراد، بل يكشف عن معضلة اقتصادية واجتماعية أكبر. فاليوم، لم يعد إنجاب الأطفال مسألة طبيعية أو عاطفية، بل خيارا مكلفا تحكمه حسابات دقيقة، تبدأ من كلفة الحفاضات، وتمر عبر مصاريف التعليم، ولا تنتهي عند تكاليف السكن المرتفعة. في المغرب، بات الطفل مشروع مكلف قد يتجاوز إمكانيات فئات واسعة من المواطنين، خاصة في ظل ضعف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يضع تحديات كبيرة أمام الأسر المغربية.

وقد وصف شكيب بنموسى هذا الأمر بـ”التحول الهيكلي”، داعياً إلى تجريب سياسات جديدة على نطاق محدود بهدف احتواء هذا التراجع. غير أن السؤال الجوهري يبقى: هل تكفي التجارب المحدودة أمام أزمة تمس جوهر تجدد المجتمع نفسه؟ والمقلق في الأمر هو أن هذا الانخفاض لا يرافقه دعم فعلي للجيل الجديد، لا من حيث توفير السكن ولا التشغيل، ولا الضمانات الاجتماعية. فالمفارقة تكمن في أن البلاد تراهن على المستقبل بينما تتقلص مواردها البشرية، حتى باتت بعض المدارس في القرى تعاني من نقص في التلاميذ، بعد أن كانت في السابق مكتظة، وبدأ الطفل الذي كان يعد عنصرا حيويا في التنمية المحلية، يتحول إلى استثناء إحصائي.

وما يخشى اليوم هو أن يتحول المغرب إلى مجتمع شائخ يفتقر إلى الشباب، وتضيق فيه آفاق الحياة الأسرية. فتراجع الخصوبة لا يعني فقط انخفاض عدد المواليد، بل قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية أعمق، مثل شيخوخة السكان، تراجع القوة العاملة، وضغط أكبر على أنظمة الحماية الاجتماعية، مما يتطلب استراتيجية وطنية شاملة. وربما آن الأوان لصياغة سياسة سكانية وطنية متكاملة تضع الأسرة في صلب المشروع التنموي، وتحفز على الإنجاب من خلال إجراءات ملموسة. وتشمل هذه الإجراءات الدعم المالي المباشر، وتخفيض كلفة التعليم والصحة، إضافة إلى حوافز في السكن والعمل، لأن الخصوبة ليست مجرد رقم في تقارير الإحصاء، بل مؤشر على الحياة، على الاستمرار، وعلى مستقبل أمة بكاملها، فإما أن نتحرك الآن… أو نقبل بصمت بواقع عنوانه: “مجتمع بلا أطفال”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.