مخافر الموت: حين تتحول حماية المواطن إلى جريمة بشعة (تكملة)

بقلم: الأستاذ محمد عيدني، فاس

…إصلاح جهاز الأمن يعتبر ضرورة ملحة لضمان حماية حقوق المواطنين وتعزيز الثقة بين الشرطة والشعب، هذا الإصلاح يجب أن يشتمل على عدة محاور أساسية:

تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة: يجب تفعيل دور النيابة العامة في التحقيق في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة داخل مخافر الشرطة، وتطبيق القانون بحزم على المتورطين، كما يجب إنشاء هيئة مستقلة تتلقى شكاوى المواطنين وتقوم بالتحقيق فيها بشفافية ونزاهة، ويمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى في هذا المجال، مثل إنشاء “مفوضية حقوق الإنسان” أو “مكتب المظالم” يتمتع بصلاحيات واسعة في التحقيق والمتابعة.

تأهيل وتكوين عناصر الشرطة: يجب تطوير برامج التكوين المستمر لعناصر الشرطة، مع التركيز على احترام حقوق الإنسان، والتعامل الإنساني مع المتهمين، واستخدام الأساليب القانونية في التحقيق، كما يجب إخضاع عناصر الشرطة لاختبارات نفسية منتظمة للتأكد من قدرتهم على تحمل ضغوط العمل والتعامل مع المواطنين بشكل لائق.
تعديل القوانين والإجراءات: يجب تعديل القوانين والإجراءات المتعلقة بالاعتقال والتفتيش والاستجواب، بما يضمن حماية حقوق المتهمين ومنع التعسف، على سبيل المثال، يجب تقنين مدة الحراسة النظرية، والسماح للمتهم بالاتصال بمحاميه فورًا بعد الاعتقال، وتسجيل جميع عمليات الاستجواب بالصوت والصورة.
تفعيل دور المجتمع المدني: يجب إشراك منظمات المجتمع المدني في مراقبة أداء جهاز الأمن وتقديم التوصيات لتحسينه. يمكن تنظيم دورات تدريبية مشتركة بين الشرطة ومنظمات المجتمع المدني لتبادل الخبرات وتعزيز الثقة المتبادلة.

الشفافية والإعلام: يجب على جهاز الأمن أن يكون أكثر شفافية في تعامله مع وسائل الإعلام، وأن يتيح للصحفيين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالقضايا التي تهم الرأي العام، مع احترام سرية التحقيقات وحقوق المتهمين.

إن إصلاح جهاز الأمن ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز دولة القانون وبناء مجتمع ديمقراطي حديث. فبدون شرطة تحترم حقوق المواطنين وتلتزم بالقانون، لا يمكن الحديث عن دولة تحترم سيادة القانون.

أمثلة وقوانين مغربية ذات صلة:

الفصل 22 من الدستور المغربي: ينص على أن “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، ولا يجوز اعتقال أحد أو احتجازه إلا في الحالات ووفق الشروط التي ينص عليها القانون.”
المادة 231 من القانون الجنائي المغربي: تجرم التعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو للإنسانية، وتنص على عقوبات بالسجن والغرامة للمتورطين.
القانون رقم 08-05 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية: يهدف إلى حماية خصوصية الأفراد وبياناتهم الشخصية، ويمنع جمع واستخدام هذه البيانات بطرق غير قانونية.
تجربة “الخط الأخضر” التابع للمديرية العامة للأمن الوطني: يتيح للمواطنين الإبلاغ عن المخالفات والتجاوزات التي يرتكبها عناصر الشرطة.

إن هذه الأمثلة والقوانين تشكل إطارًا قانونيًا هامًا لحماية حقوق المواطنين وضمان مساءلة عناصر الشرطة. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تفعيل هذه القوانين وتطبيقها بشكل فعال، وضمان عدم إفلات المتورطين من العقاب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.