قرار جديد يحدث تحولا في نظام التقاعد التكميلي بالمغرب
ماب ميديا
انشر
أعلنت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، عن حزمة تعديلات جذرية في نظام التقاعد التكميلي والاختياري الذي يديره الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)، هذه التعديلات، التي نشرت في الجريدة الرسمية بتاريخ 7 غشت 2025، لا تعد مجرد تغييرات روتينية، بل تمثل تحولًا عميقًا في فلسفة التقاعد في المغرب، وتعكس استجابة حقيقية لتطلعات المنخرطين وتحديات العصر، فبعد سنوات من الجمود والقيود، يطل نظام التقاعد التكميلي بحلة جديدة، أكثر مرونة، وأكثر جاذبية، وأكثر قدرة على تلبية الاحتياجات المتغيرة للمواطنين.
تفاصيل التعديلات:
تتجاوز التعديلات الجديدة مجرد تحسينات سطحية، لتمس جوهر العلاقة بين الصندوق والمنخرط، فالمادة 4 من القرار الوزاري، تمنح للمنخرطين سلطة غير مسبوقة في تحديد مسار تقاعدهم، وذلك من خلال إتاحة إمكانية تعجيل الاستفادة من الحقوق بخمس سنوات قبل السن القانوني للتقاعد، أو تأجيلها لمدة أقصاها خمس سنوات بعده، هذا الخيار، الذي كان حلمًا يراود الكثيرين، يتيح للمنخرطين التخطيط لمستقبلهم المالي بناءً على ظروفهم الشخصية وأهدافهم المهنية، وليس بناءً على قواعد جامدة لا تراعي الفروق الفردية.
ولم تقتصر التعديلات على تحديد توقيت التقاعد، بل امتدت لتشمل كيفية صرف الحقوق، فبدلًا من الصيغ التقليدية التي كانت تقتصر على الإيراد الشهري، أصبح بإمكان المنخرطين الاختيار بين عدة صيغ مبتكرة، مثل الأداء الكلي في شكل رأسمال، وهو خيار يفضله الكثيرون ممن يرغبون في استثمار أموالهم في مشاريع خاصة أو تسديد ديونهم، كما تتيح التعديلات الاستفادة من إيراد محدد المدة، وهي صيغة مناسبة لمن يرغبون في الحصول على دخل إضافي لفترة معينة، أو تحويل الحقوق إلى شركة تأمين أو إلى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين للحصول، على دخلًا ثابتًا مدى الحياة.
حماية حقوق المنخرطين:
لم تغفل التعديلات الجديدة الجوانب الإنسانية، حيث أولت اهتمامًا خاصًا لحالات الوفاة والعجز، فالمادة 6 من القرار تنص على أنه في حالة وفاة المنخرط قبل تصفية الحقوق، يتم صرف المبلغ بالكامل للمستفيدين المعيّنين أو لورثته، وهي خطوة تعكس حرص الصندوق على حماية حقوق الأسر وتوفير الدعم المالي اللازم لها في أوقات الشدة، كما يتم صرف الحقوق كاملة، في حالة إصابة المنخرط بعجز كلي ودائم يفوق 66%، وهي حالة تستدعي توفير الدعم المالي الفوري للمنخرط لمساعدته على مواجهة التحديات الصحية والاقتصادية.
تسهيلات في الاسترداد والاشتراكات:
لتبسيط الإجراءات وتشجيع الانخراط في النظام، تضمنت التعديلات الجديدة تسهيلات كبيرة في استرداد الحقوق والاشتراكات، فالمادة 7 تتيح للمنخرط طلب استرداد حقوقه كليًا أو جزئيًا بعد مرور خمس سنوات على الانخراط، بنسبة 97% إذا كانت مدة الانخراط بين 5 و10 سنوات، و100% إذا تجاوزت المدة 10 سنوات، مع إنهاء الانخراط في حال الاسترداد الكلي، هذه المرونة في الاسترداد تشجع المنخرطين على الادخار بثقة، مع العلم أنه بإمكانهم الوصول إلى أموالهم في حالات الضرورة.
أما فيما يتعلق بالاشتراكات، فقد أكد القرار أن الانخراط في النظام فردي واختياري، ويمكن أن يتم في إطار اتفاقيات جماعية، مع تحديد الحد الأدنى للاشتراك الشهري في 100 درهم قابلة للتغيير مرة واحدة سنويًا، كما ستقتطع المساهمات مباشرة من الأجر بالنسبة للمستخدمين الذين يتقاضون أجورهم عبر الخزينة العامة، مما يسهل عملية الادخار ويضمن استمرارها.
ولم يغفل القرار حق المنخرطين في توقيف أو استئناف الاشتراكات في أي وقت، حيث أجازت المادة 13 لكل منخرط توقيف أو استئناف الاشتراكات في أي وقت، على أن تتم معالجة الطلبات في أجل أقصاه شهر ونصف، هذه المرونة تتيح للمنخرطين التكيف مع الظروف المالية المتغيرة، وتجنب أي ضغوط مالية غير ضرورية.
التعديلات المدخلة على نظام التقاعد التكميلي والاختياري، تمثل نقلة نوعية في مفهوم التقاعد في المغرب، فهي لا تقتصر على تحسين الأداء المالي للنظام، بل تمتد لتشمل تعزيز الثقة بين الصندوق والمنخرطين، وتوفير خيارات مرنة تلائم احتياجات فئات واسعة من المواطنين، هذه التعديلات الجريئة، التي طال انتظارها، من شأنها أن تعزز جاذبية هذا النظام الادخاري على المدى الطويل.