إنتشار مقاهي الأرجيلة في سلا يثير قلق صحي وقانوني

بقلم: الأستاذ محمد عيدني

تتفشى مقاهي الشيشة في مختلف أحياء مدينة سلا بسرعة مقلقة، مستفيدة من غياب المراقبة، وتراخي السلطات المحلية، وصمت اجتماعي يغذّيه الخوف أو اللامبالاة. ما كانت في السابق مجرد فضاءات محدودة العدد ومحدودة التأثير، أصبحت اليوم ظاهرة اجتماعية خطيرة تُهدد صحة الشباب، وتُفرغ النصوص القانونية من مضمونها، وتُدخل المدينة في نفق مظلم من التسيّب والانحراف.

في ظل التحذيرات المتكررة من الجهات الصحية الوطنية والدولية بشأن مخاطر الشيشة، لا يزال الدخان يتصاعد في الأزقة والمقاهي وكأن الأمر لا يعني أحدًا. فهل أصبحت صحة الشباب أرخص من مداخيل مقهى؟

بين فشل القانون وجشع المستثمرين:

ينص القانون المغربي على منع التدخين في الأماكن العمومية، ومع ذلك، تشتغل أغلب مقاهي الشيشة بسلا في خرق واضح لهذه المقتضيات. بل وتتناسل هذه المحلات بشكل عشوائي، حتى في الأحياء السكنية القريبة من المدارس والمساجد، دون أي تدخل يُذكر من السلطات الإدارية أو الأمنية.

الشارع السلاوي يتساءل: هل هناك تواطؤ؟ أم أن المصالح المالية لبعض “المستثمرين” أصبحت تفوق الاعتبارات الصحية والأخلاقية؟ شهادات مواطنين تفيد أن بعض المقاهي تستفيد من “حماية غير معلنة”، مقابل إتاوات دورية تضمن لها البقاء، رغم الشكايات المتكررة من الجيران والمتضررين.

الشباب أول الضحايا:

في مستشفى المولى عبد الله، تؤكد مصادر طبية أن نسبة المصابين بأمراض الرئة والتهاب الشعب الهوائية ارتفعت بين الفئات الشابة، خصوصًا أولئك الذين يدمنون الشيشة. إحدى الطبيبات تقول:

 “الشيشة ليست أخف من السجائر، بل أكثر خطورة بسبب مدة الجلسة الواحدة وكثافة الدخان المستنشق… والأخطر هو دخول فتيان وفتيات في سن المراهقة إلى هذه الدوامة دون وعي بالعواقب.”

“بدأت بدافع التسلية مع الأصدقاء، لكن سرعان ما أصبحت مدمنًا. لم أعد أستطيع النوم أو التركيز، وأصبت بمشاكل تنفسية أجبرتني على دخول المستشفى أكثر من مرة.”

أوكار للانحراف باسم “المقهى”:

لم تعد بعض المقاهي تكتفي بتقديم نرجيلة بنكهات الفواكه، بل تحوّلت إلى فضاءات مريبة، تُمارَس فيها أنشطة غير قانونية مثل تعاطي المخدرات، استقطاب القاصرات، القمار، وحتى ترويج الممنوعات.

“نشاهد بشكل يومي سيارات فارهة تتوقف أمام مقهى معين، يدخل إليها شباب وفتيات صغار في السن، ويبقون لساعات خلف الزجاج المعتم. الكل يعلم ما يحدث، لكن لا أحد يحرّك ساكنًا”، تقول ساكنة من حي السلام، وتضيف: “تقدّمنا بشكايات، لكن بلا جدوى… كأن هناك من يحميهم”.

غياب الردع وموات الضمير:

غياب الحملات الأمنية المنتظمة، وضعف التنسيق بين السلطات والجماعات المحلية، وغياب أي برامج وقائية فعالة، كلها عوامل ساهمت في تحوّل الشيشة إلى ثقافة يومية لدى المراهقين، بدل أن تُعامل باعتبارها خطرًا صحيًا واجتماعيًا يجب محاصرته.

كما أن صمت المؤسسات المنتخبة، التي من المفترض أن تُشرّع وتراقب وتستجيب لتطلعات المواطنين، يُعد ضربًا لمبدأ المحاسبة والتمثيلية.

هل من صحوة قبل فوات الأوان؟:

لم تعد القضية مجرد ظاهرة شبابية عابرة، بل تحوّلت إلى أزمة مجتمعية، تكبر يومًا بعد يوم، وتهدد نسيج المدينة ومستقبل أجيالها. ما لم تُبادر السلطات إلى التحرك الجاد، وتفعيل القانون، وإغلاق المقاهي المخالفة، فإن الوضع مرشّح لمزيد من التدهور.

سلا اليوم بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية، ووعي جماعي وجرأة في المواجهة للوبيات الشيشة التي تستنزف صحة مقابل دراهم معدودة.

صحة أبناء المدينة ليست للتفاوض، والسكوت عن الخطر تواطؤ بصيغة أخرى.
فهل من مجيب قبل أن يتحوّل الدخان إلى لهيب لا يُطفأ؟.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.