زيت الزيتون في المغرب : من اللهيب إلى النسيم.. هل تستعيد الأسعار عافيتها؟

محمد عيدني - فاس

بعد شهور عصيبة عاشها المستهلك المغربي تحت وطأة أسعار زيت الزيتون الملتهبة، التي لامست مستويات قياسية غير مسبوقة، بدأت تباشير الانفراج تلوح في الأفق. الأسعار التي كوت جيوب الأسر وأثقلت كاهل الميزانيات، تشهد اليوم انحناءً تدريجيًا نحو الواقع، لتثير التساؤلات حول مستقبل هذا “الذهب السائل” الذي يعتبر جزءًا لا يتجزأ من المائدة المغربية. هل هي مجرد فقاعة ستزول سريعًا، أم بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار والتوازن؟

قبل الخوض في تفاصيل الانخفاض الحالي، لا بد من العودة إلى الوراء قليلًا لاستعراض الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع الصاروخي في الأسعار. يمكن تلخيص هذه الأسباب في النقاط التالية:

الجفاف وتغير المناخ: سنوات الجفاف المتتالية التي ضربت المغرب أثرت بشكل كبير على إنتاج الزيتون، ما أدى إلى انخفاض المعروض وارتفاع الأسعار.
ارتفاع الطلب العالمي: تزايد الطلب العالمي على زيت الزيتون، خاصة من الأسواق الآسيوية، ساهم في زيادة الضغط على الإنتاج المحلي وارتفاع الأسعار.
المضاربة والاحتكار: استغل بعض المضاربين والمحتكرين الوضع القائم لرفع الأسعار بشكل مصطنع، مستفيدين من نقص المعروض وارتفاع الطلب.
ارتفاع تكاليف الإنتاج: زيادة أسعار الأسمدة والمبيدات والأيدي العاملة أدت إلى ارتفاع تكاليف إنتاج زيت الزيتون، ما انعكس على الأسعار النهائية.

بوادر الانفراج :

في الأسابيع الأخيرة، بدأت تظهر مؤشرات إيجابية تدل على بداية تراجع الأسعار. هذه المؤشرات تعود إلى عدة عوامل متضافرة:

الأمطار الغزيرة والتبشير بموسم فلاحي واعد: الأمطار التي هطلت بغزارة خلال فصل الربيع أعادت الأمل للمزارعين والمستهلكين على حد سواء. التوقعات تشير إلى موسم فلاحي جيد، ما يعني زيادة في إنتاج الزيتون وبالتالي زيادة المعروض في السوق.
التدخل الحكومي وتقييد التصدير: قرار الحكومة بتقييد تصدير زيت الزيتون يهدف إلى ضمان تلبية احتياجات السوق المحلية. هذا الإجراء ساهم في زيادة المعروض في السوق الداخلية وتهدئة الأسعار.
تراجع الطلب المحلي بسبب ارتفاع الأسعار: ارتفاع الأسعار دفع العديد من الأسر إلى تقليص استهلاكها من زيت الزيتون أو التوقف عنه مؤقتًا، ما أدى إلى تراجع الطلب وزيادة الضغط على البائعين لخفض الأسعار.
تخفيف المضاربة وعرض المخزون: مع اقتراب موسم الحصاد الجديد، بدأ بعض المنتجين والمخزنين في عرض كميات من مخزونهم الحالي في السوق، تحسبًا لانخفاض الأسعار بعد وصول المحصول الجديد. هذا ساهم في زيادة المعروض وتخفيف الضغط على الأسعار.

المستهلكون: يعبر العديد من المستهلكين عن ارتياحهم لبداية تراجع الأسعار، لكنهم يظلون حذرين ويطالبون بمزيد من الشفافية والرقابة على الأسواق لضمان عدم عودة الارتفاعات الجنونية.
المنتجون : يرحب بعض المنتجين بالانخفاض الحالي في الأسعار، معتبرين أنه سيساعد على استعادة ثقة المستهلكين وزيادة المبيعات. في المقابل، يعرب آخرون عن قلقهم من أن يؤدي الانخفاض الكبير في الأسعار إلى خسائر فادحة لهم.

تحديات وآفاق المستقبل:

على الرغم من بوادر الانفراج، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه قطاع زيت الزيتون في المغرب. من بين هذه التحديات:

تغير المناخ والجفاف: يظل تغير المناخ والجفاف التهديد الأكبر لإنتاج الزيتون في المغرب. يجب اتخاذ تدابير جادة للتكيف مع هذه التغيرات، مثل تطوير تقنيات الري الحديثة واستخدام أصناف مقاومة للجفاف.
المضاربة والاحتكار: يجب على السلطات تشديد الرقابة على الأسواق ومحاربة المضاربة والاحتكار لضمان أسعار عادلة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
تطوير قطاع زيت الزيتون: يجب الاستثمار في تطوير قطاع زيت الزيتون من خلال دعم البحث العلمي وتطوير التقنيات الحديثة وتحسين جودة الإنتاج وتعزيز التسويق والتصدير.

مقترحات وحلول:

وضع استراتيجية وطنية لقطاع زيت الزيتون: يجب وضع استراتيجية وطنية شاملة لقطاع زيت الزيتون، تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتحسين جودة الإنتاج وتعزيز التسويق والتصدير.
دعم صغار المنتجين: يجب تقديم الدعم المالي والتقني لصغار المنتجين لمساعدتهم على تحسين إنتاجهم وزيادة قدرتهم التنافسية.
تشجيع الاستثمار في قطاع زيت الزيتون: يجب تشجيع الاستثمار في قطاع زيت الزيتون من خلال تقديم الحوافز والتسهيلات للمستثمرين.
تعزيز الشفافية والرقابة على الأسواق: يجب تعزيز الشفافية والرقابة على الأسواق لضمان أسعار عادلة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
توعية المستهلكين: يجب توعية المستهلكين بأهمية زيت الزيتون وفوائده الصحية، وتشجيعهم على استهلاكه بشكل منتظم.

رحلة زيت الزيتون في المغرب، من اللهيب إلى النسيم، تعكس التحديات والفرص التي تواجه هذا القطاع الحيوي. على الرغم من بوادر الانفراج الحالية، لا يزال الطريق طويلاً وشاقًا نحو تحقيق الاستقرار والازدهار. يتطلب ذلك تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من حكومة ومنتجين ومستهلكين، لوضع استراتيجية شاملة وتنفيذها بجدية وإخلاص. عندها فقط يمكن لزيت الزيتون أن يستعيد مكانته كرمز للكرم والجودة على المائدة المغربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.