في خضم المعركة من أجل حرية الرأي والتعبير، والسباق المحموم لجدب الجمهور المغربي، تبرز ظاهرة “صحافة التشهير” كنموذج إشكالي يثير الإستغراب والتسائل حول أخلاقيات مهنة الصحافة، وحدود الحق في النشر والإعلام.
وتعرف “صحافة التشهير” كونها تبنى على المبالغة والإثارة، والتركيز على حياة الخاصة للأفراد، أو لشخصيات مشهورة، أو حتى أفراد عاديين، عبر نشر الفضائج عنهم والخلافات العائلية، فهي ظاهرة شادة وغير مألوفة داخل المجتمع المغربي العريق، ويمثل إطلاع الرأي العام على ماتنشره خبرا مقدسا لها.
هذا النمط الفضائحي، الذي يمتهن الأخبار التافهة، عبر السب والقذف والتشهير والتجريح، وتشويه سمعة الأفراد، يثير الجدل بين الصحافة المهنية، والمهتمين بالحقل الإعلامي بالمغرب، حول الدور الوظيفي الدي تقوم به داخل المجتمع، كونها تسعى بشكل مباشر لتخريب للقيم ومبادئ الإسلامية للمجتمع، والتي بنيت على الستر للغير وتقديم النصح له، بطريقة سرية بهدف الإصلاح و التقويم، مع تجنب نشر الفاحشة بين المسلمين.
وهنا نتسائل عن تلقى هذا النمط الناشر للدعم عمومي من الدولة، فهل الدعم العمومي الذي يتلقاه هذا نمط الناشر يمثل دفعا وإسنادا لبناء هذا النوع من “صحافة الفضائح” و”التشهير” بالمغرب ؟ وهل هذا النمط الفضائحي يغدي إحتياجات المتلقي المغربي السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ؟ تم لماذا يتبنى الثقافة الفضائحية لضرب قيم ومبادئ المجتمع، في حين لاتزال ظاهرة الأمية متفشية في أنحاء المملكة، والتي وصلت 24.8% خلال السنة الماضية، أما نسبة البطالة التي إرتفعت إلى 12.8% خلال السنة الجارية، إضافة إلى ضعف مؤشرات التنمية البشرية في المغرب، الصادر في تقرير لسنة 2025، عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا الضعف الذي يجسد تعثر السياسات الإجتماعية والإقتصادية في مجال التعليم والصحة والبطالة والفقر إضافة فشل برامج التنمية البشرية… والفشل البنيوي في عدد من الجهات بالمملكة التي تعيش في مشاكل تنموية كبرى تنتظر صحافة إستقصائية للحديث عنها وعن مشاكلها.
يركز هذا النمط الناشر لفضائح الأفراد عبر تمييعيها بشكل ملفت للإنتباه، بهدف جدب أكبر عدد ممكن من نقرات والمشاهدات، والتي غالبا ما تكون في صفوف المراهقين وتحويل الحياة الخاصة للأفراد إلى سلعة إخبارية لاتسمن ولاتغني من جوع. فهل هذه القنوات الغربية تمثل صحافة المغرب ؟.
تعد صحافة الفضائح، ظاهرة سلبية، تهدد أسس العمل الصحفي، فممارستها لا تقتصر على مجرد نقل الأخبار، بل تتعداها إلى استهداف الأعراض، والحياة الشخصية للأفراد، محولة القلم من أداة للتوعية إلى سلاح فتاك، يستخدم لتصفية الحسابات أو تحقيق مكاسب غير مشروعة، على حساب سمعة الآخرين، فهي تعمل بدون ضوابط مهنية، أو أخلاقية، ولاحتى بأبسط القواعد الحاكمة للعمل الصحفي الشريف، خاصة في مايخص حفظ الحياة الخاصة للأشخاص والتكفل لهم بحق الرد.
فالصحافة الحقيقة وكما يعلمها الجميع، عبارة عن نشاط فكري وإبداعي له خصوصياته وقوانينه وأساليبه، وطرق عمله ويبنى على التحري الموضوعي من المعلومة كما يتطلب التكيف مع سياقات الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي والإقتصادي، ويشترط في عمله الإلتزام بمعايير وأخلاقيات مهنة الصحافة.
ونذكر بأن المشرع المغربي جرم فعل التشهير في القانون الجنائي في مواد 447 إلى وحدد العقوبة في السجن من سنة إلى ثلاثة سنوات نافذة، مع الغرامة المتراوحة بين 2000 و20000، وهذا مايتماشى مع مبادئ التي سطرها القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.
إن التشهير يمثل انتهاكا صارخا لأبسط حقوق الإنسان، وهو الحق في الخصوصية والكرامة، فهي تسبب ضررا معنوي ونفسي وإجتماعي للأشخاص المستهدفين، ومن هنا يتطلب منا وعي جماعي، يرفض التطبيع مع هذه الممارسات الشاذة واللأخلاقية، عبر تطبيق العقوبات الرادعة لإعادة الإعتبار لقيمنا الإجتماعية.