التعليم العالي في المغرب.. صناعة الشهادات أم تأهيل الكفاءات؟
بقلم: الأستاذ محمد عيدني
انشر
تشهد منظومة التعليم العالي في المغرب أزمة متصاعدة تتجلى في تراكم الشهادات مقابل محدودية فرص الإدماج المهني، ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى ملاءمة البرامج الجامعية لمتطلبات سوق العمل، فبين الباكلوريا والإجازة والماستر، يتخرج آلاف الشباب سنويًا حاملين شهادات العليا، التي لم تعد ضمانا للاستقرار المهني، في حين يظل معدل الإدماج المهني للخريجين منخفضًا، ما يعكس فجوة حقيقية بين المخرجات الأكاديمية واحتياجات الاقتصاد الوطني.
تتمثل الأزمة الأساسية في ضعف التكوين والمحتوى الأكاديمي، إذ تركز البرامج الجامعية على المعرفة النظرية دون تمكين الطالب من الكفاءات العملية والمهارات التقنية والتحليلية الضرورية في بيئة العمل الحديثة، هذه الفجوة تؤدي إلى إنتاج خريجين يفتقرون إلى ما يعرف بـالكفاءات المهنية، ويواجهون صعوبة في التأقلم مع متطلبات سوق العمل، خصوصًا في القطاعات الرقمية والتكنولوجية والصناعات الحديثة.
ومما يزيد من تفاقم الأزمة هو تكرار التخصصات داخل الجامعات، ما يؤدي إلى تشبع سوق العمل بنفس نوع الخريجين، في حين تظل هناك طلبات متزايدة على التكوينات المهنية والتقنية التي توفر مهارات قابلة للتحويل إلى وظائف فعلية ومستدامة.
كما أن السياسات التعليمية لم تنجح بعد في وضع استراتيجيات واضحة لربط التعليم بسوق العمل، سواء عبر الشراكات بين الجامعات والمقاولات، أو برامج التدريب الميداني، أو دعم الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى غياب التخطيط الاستراتيجي للتخصصات الجامعية مما يؤدي إلى استمرار فائض الخريجين في مجالات محددة بينما تظل القطاعات الحيوية في حاجة إلى كفاءات نادرة.
إن تجاوز هذه الأزمة يتطلب إصلاحا هيكليًا شاملاً يشمل مراجعة البرامج والمقررات لضمان التوازن بين الجانب النظري والتطبيقي، وتعزيز التعليم القائم على الكفاءات لتأهيل الخريج للتحديات المهنية الفعلية، وتفعيل الربط بين الجامعات والقطاع الخاص عبر التدريب الميداني والبحوث التطبيقية، وتحديد التخصصات الاستراتيجية وفق أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتشجيع الابتكار وريادة الأعمال كمسار بديل للتوظيف التقليدي.
ويبقى التحدي الأكبر هو تحويل منظومة التعليم العالي من مولد للشهادات بلا قيمة إلى محرك للتنمية البشرية المستدامة، قادر على مواكبة التحولات الاقتصادية وخلق فرص عمل حقيقية، فالأزمة ليست مجرد أزمة أكاديمية، بل انعكاس لفشل التخطيط الإستراتيجي وضعف الربط بين التعليم وسوق العمل، والرهان اليوم يكمن في بناء خريج قادر على التأقلم والابتكار والمساهمة الفعلية في التنمية الوطنية، بدل الاكتفاء بشهادات لا تضمن له مستقبلاً مهنيًا واضحًا.