فاجعة في ورش بناء بسلا تطرح السؤال من يحمي عمال ورشات البناء؟

ليلى بهلولي

في حادث مأساوي ينضاف إلى سجل حوادث الشغل بالمغرب، لقي عامل بناء يبلغ من العمر 51 سنة مصرعه، يوم الجمعة 26 شتنبر 2025، إثر سقوطه من الطابق الثاني لورشة أشغال بحي بطانة بمدينة سلا.

ووفق مصادر محلية، فإن الضحية كان يزاول عمله في ورش للبناء عندما فقد توازنه وسقط من علو، مما أدى إلى وفاته في الحين متأثراً بإصاباته البليغة. وتم على الفور نقل جثمانه إلى مستودع الأموات، في انتظار استكمال الإجراءات القانونية والطبية اللازمة.

وفي إطار إجراءات السلامة المهنية المرتبطة بحوادث الشغل انتقلت السلطات المحلية والمصالح الأمنية إلى مكان الواقعة، ليتم فتح تحقيق عاجل للوقوف على ملابسات الحادث وأسبابه.

فبرغم من الجهود المبذولة لتحسين شروط العمل وتوسيع دائرة الحماية الاجتماعية، لا يزال عمال قطاع البناء والأشغال العامة في المغرب من أكثر الفئات تعرضا لحوادث الشغل القاتلة، في ظل فراغ قانوني واضح، ومع ضعف في آليات التعويض، والغياب الفعلي للمراقبة على تطبيق معايير السلامة المهنية داخل أوراش البناء.

ويعاني العاملون في هذا القطاع الحيوي، الذي يشغل عشرات الآلاف من اليد العاملة، من انعدام التغطية الإجتماعية الفعلية في حالات كثيرة، ومن غياب التعاقد، حيث يشتغل العديد منهم بدون عقود قانونية أو تأمين ضد الحوادث، وهو ما يحول دون استفادتهم من التعويضات المستحقة في حال الإصابة أو الوفاة أثناء مزاولة العمل.

كما تعاني هذه الفئة من انعدام شروط السلامة والصحة المهنيتين، وغياب وسائل الوقاية والإنقاذ في أماكن العمل،”الوسائل الشخصية لمنع السقوط” (Systèmes personnels antichute)، و “نظام شبكة السلامة”(Systèmes de filet de sécurité). وحتى بعد الإصابة لا وجود لوسائل إنقاذ وإسعافات في مكان العمل مما يؤدي إلى الوفاة  أو تتفاقم حالتهم، ويصابون بعاهات مستديمة.

وفي حالة وقوع الوفاة، أو الإصابة الخطيرة، يجد الضحايا أو ذووهم أنفسهم في متاهات المساطر الإدارية والقانونية، خصوصا في غياب تعاقد رسمي أو إثبات علاقة الشغل، ما يفتح الباب أمام تملص أرباب العمل من المسؤولية.

وتبقى السلامة المهنية غائبة في عدد كبير من أوراش البناء، حيث لا يتم احترام أبسط شروط الوقاية كاستعمال الخوذات، الأحزمة الواقية، أو التكوين في أخطار المهنة، كما أن أجهزة تفتيش الشغل تفتقر إلى الإمكانيات الكافية للقيام بمراقبة شاملة ومنتظمة لآلاف الأوراش المنتشرة في مختلف مدن المملكة.

وفي هذا السياق، يطالب فاعلون نقابيون وجمعيات حقوقية بـمراجعة شاملة للمنظومة القانونية المؤطرة لحوادث الشغل في قطاع البناء، وضرورة إلزام أرباب العمل بالتصريح بجميع الأجراء، وتوسيع نطاق التأمين الإجباري ضد حوادث الشغل ليشمل حتى العاملين في القطاع غير المهيكل.

كما يأكدون على ضرورة إحداث صندوق تضامني خاص بحوادث الشغل، يمكن من ضمان حد أدنى من التعويض للأجراء الذين يتعرضون لحوادث دون أن يكونوا مصرحًا بهم، على غرار تجارب دولية ناجحة، ويبقى السؤال، إلى متى ستظل فئة عمال البناء وذووهم يؤدون ثمن هذا الفراغ القانوني، في غياب الحماية الفعلية تضمن حقوقهم في التعويض والسلامة داخل أوراش البناء التي تحولت إلى فضاءات للموت الصامت؟.

في ظل هذا الواقع، يظل العامل في قطاع البناء بالمغرب معلقا بين مطرقة الخطر اليومي و غياب الحماية القانونية، ما يجعل من كل ورشة بناء ساحة محتملة لفقدان الحياة أو الإصابة بعاهة، في غياب حقيقي لمنظومة عادلة تصون الكرامة والحقوق المشروعة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.