احتجاجات فاس تكشف عن نضج أمني وتواصل فعال بين السلطات والمحتجين

بقلم الأستاذ محمد عيدني

في صباح أحد الأيام الأخيرة، خرجت شوارع فاس لتستضيف مسيرة الأحدات، التي جابت شوارع المدينة بألوانها المتنوعة ومشاركيها من مختلف الأعمار، على الرغم من حجم التجمع وكثافة الحضور، لم تشهد المدينة أي فوضى أو تجاوزات، وهو ما أعاد للواجهة صورة مهنية قوات الأمن التي تصرفت بحنكة ومسؤولية عالية.

منذ البداية، كانت الملامح الاحترافية واضحة، عناصر الأمن انتشرت بطريقة استراتيجية، حافظت على مسافة آمنة من المشاركين، وفي الوقت نفسه راقبت الوضع بدقة لضمان السلامة العامة، لم يكن الهدف مجرد السيطرة، بل تسهيل حركة المشاركين، تنظيم المرور، والحفاظ على النظام العام دون أي تدخل يخل بالسلمية.

خلال المسيرة، أشار العديد من الشهود إلى أن الأمن لم يعرقل حركة المواطنين أو المشاركين، بل كان عنصرًا مساعدًا يسهل التظاهرة ويساهم في تنظيمها، كانت الوجوه الهادئة والمهنية لعناصر الأمن بمثابة رسالة تطمين لكل من في المكان، بأن حقوق المشاركين مصانة وأن سلامتهم أولوية.

ما يميز تجربة فاس هو الجمع بين ضبط النظام والتفهم الإنساني، فعلى الرغم من أن بعض الفعاليات المشابهة في مدن أخرى تتحول أحيانًا إلى صدامات، فقد أظهر الأمن بفاس قدرة على إدارة المواقف الصعبة بحكمة، دون استخدام مفرط للقوة، بما يعكس تدريبا متقدمًا ومستوى عاليًا من الاحترافية.

كما أن هذا الأداء يمثل نموذجًا يحتذى به على المستوى الوطني، إذ يبرز أهمية التوازن بين حماية الحقوق المدنية وضمان الأمن العام، فالأمن ليس مجرد فرض قوة، بل هو التزام بالقانون، واحترام للمواطنين، ووسيلة لبناء الثقة بين الجمهور والمؤسسات.

وفي لحظة من المسيرة، لوحظ تعاون بعض المشاركين مع فرق الأمن، حيث أعانوا في تنظيم الصفوف، وتوجيه المشاة، والحفاظ على انسيابية الحركة، هذا التفاعل بين الجمهور والأمن يعكس وعيًا مجتمعياً مشتركًا ويعزز فكرة أن الاحترافية الحقيقية للأمن تتجلى في القدرة على العمل مع المجتمع لا ضده.

ختامًا، تحية واجبة لكل عناصر الأمن بفاس الذين أظهروا أن الانضباط والتفهم يمكن أن يسيرا جنبًا إلى جنب، لقد أثبتوا أن القوة الحقيقية تكمن في الاحترافية والمسؤولية، وأن الأمن الذي يحترم حقوق الإنسان ويضمن النظام هو في نهاية المطاف الرهان الأنجح لأي مجتمع حضري حديث.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.