كرامة المواطن ركيزة أمن الوطن

بقلم الاستاد محمد عيدني

تشهد الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة نقاشاً متزايداً حول أسلوب تعامل بعض عناصر الشرطة مع المواطنين، خصوصاً في سياق الاحتجاجات السلمية، فبينما يطالب الشباب بحقوق اجتماعية واقتصادية المشروعة، برزت إلى الواجهة مشاهد موثقة بالصوت والصورة لتصرفات غير مقبولة من طرف بعض رجال الأمن، سواء عبر الضرب أو الاعتقال العشوائي، مما أثار موجة استياء واسعة وأشعل جدلاً جديداً حول مفهوم “الأمن المواطني” وضرورة احترام كرامة الإنسان التي يضمنها دستور 2011.

بين حماية النظام واحترام الكرامة:

لا جدال في أن المؤسسة الأمنية تضطلع بدور محوري في حماية النظام العام وضمان سلامة المواطنين والممتلكات، غير أن هذا الدور يفقد معناه عندما يتحول التدخل الأمني إلى ممارسة قاسية أو غير مبررة تمسّ بحقوق الإنسان الأساسية، فالمواطن، مهما كانت توجهاته أو مطالبه، يبقى إنساناً أولاً وأخيراً، من حقه أن يُعامل بكرامة، خاصة وأن الدستور المغربي نصّ صراحة على صون الحقوق والحريات وضمان كرامة المواطن في جميع الظروف.

التكوين.. مدخل الإصلاح:

خبراء في المجال الأمني وحقوقيون يشددون على أن الحل لا يكمن فقط في محاسبة بعض العناصر التي تتجاوز صلاحياتها، بل يتطلب مقاربة شمولية تبدأ من إعادة النظر في منظومة التكوين الشرطي. فالتدخل الأمني ليس مجرد استعمال للعنف أو السيطرة على الوضع، بل هو علم قائم على تقنيات دقيقة تشمل التواصل، وضبط النفس، والقدرة على التمييز بين السلوك السلمي والتصرفات الخارجة عن القانون.
إن تمديد مدة التكوين وتطويرها على المستويات النفسية والسوسيولوجية والقانونية، كفيل ببناء رجل أمن واعٍ بدوره، يعرف متى وكيف يتدخل، ويدرك أن التعامل الإنساني لا ينقص من هيبة السلطة، بل يعززها.

البعد النفسي.. شرط أساسي:

لا يمكن الحديث عن تدخل أمني سليم دون التطرق إلى الوضع النفسي لرجل الشرطة نفسه. إذ تشير دراسات عديدة إلى أن الشرطي الذي يعاني من ضغوط شخصية أو مشاكل نفسية يكون أكثر عرضة للانفعال وارتكاب التجاوزات في الميدان. من هنا، تصبح المراقبة الدورية للحالة النفسية لرجال الأمن، وتوفير الدعم النفسي المستمر، ضرورة لضمان أداء مهني متوازن يحفظ هيبة المؤسسة وكرامة المواطن في آن واحد.

الثقة هي رأس المال:

إن العلاقة بين الشرطة والمواطنين ليست علاقة قوة وسيطرة، بقدر ما هي علاقة ثقة متبادلة، فحين يشعر المواطن أن رجل الأمن يحميه ويعامله بإنصاف، يكون أكثر التزاماً بالقانون، وأكثر استعداداً للتعاون مع السلطات، أما حين يتعرض للإهانة أو العنف المجاني، فإن الشرخ يتسع وتضعف جسور الثقة، وهو ما يشكل خطراً على استقرار المجتمع ككل.

نحو أمن مواطني حقيقي:

المغرب قطع أشواطاً مهمة في مجال حقوق الإنسان وتعزيز دولة القانون، لكن الأحداث الأخيرة كشفت أن هناك حاجة ماسة لتعزيز مفهوم “الأمن المواطني”، الذي يضع كرامة الإنسان في قلب التدخل الأمني، وهذا لن يتحقق إلا بتكوين عصري شامل، وتأهيل نفسي دائم، وربط المسؤولية بالمحاسبة، بما يضمن أن رجل الأمن ليس مجرد منفذ للأوامر، بل فاعل واعٍ بعمق رسالته الإنسانية.

 الأمن لا يكتمل بالقوة وحدها، بل يكتمل بالعدالة والاحترام. والشرطي الذي يمد يده لحماية المواطن، هو نفسه الذي يجب أن يحترم إنسانيته، الكرامة ليست امتيازاً يمنح، بل حق أصيل لا يقبل التفاوض.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.