العدو الخفي أم حارس البيت؟ لماذا يستهدفون عبد الكبير أخشيشن؟

بقلم الأستاذ محمد عيدني _ فاس

يتجدد النقاش اليوم حول حدود الحرية ومساحات التنظيم داخل المشهد السياسي والإعلامي المغربي، بعدما أصبح البعض يختزل فكرة التحرر في مجرد الترشح الفردي أو الصراخ من خارج المؤسسات، بينما جوهر الفعل الديمقراطي هو القدرة على تحمّل المسؤولية داخل الأطر التي تضمن الاستمرارية وتُخضع الجميع للمساءلة.

يُخطئ من يظن أن الانتساب إلى تنظيم سياسي أو مهني شكل من أشكال القيود، كما يبالغ من يعتقد أن الاستقلال عن كل إطار يمنح وحده صفة الإنسان الحر. فالتجارب الراسخة علمتنا أن الحرية بلا مشروع تتحوّل إلى فوضى، وأن الصوت بلا رؤية يصبح مجرد ضجيج عابر لا أثر له. لذلك، لم يعد مقبولًا الدفاع عن حرية معزولة عن نبل الواجب وشرف الالتزام.

وجد عبد الكبير أخشيشن نفسه وسط هذا الجدال بصفته أحد المدافعين عن منطق المؤسّسات، وعن فكرة أن القيادة مسؤولية تنظيمية قبل أن تكون شعارًا فضفاضًا. لم يكن يومًا خصمًا للفرد الحر، بل خصمًا لمن يجعل من العزلة منبرًا ومن الادعاء برنامجًا، مسوقًا وهمًا اسمه “الحرية المطلقة”، وكأن الديمقراطية تصبح أجمل كلما غاب عنها النظام.

تعيش بلادنا اليوم اختلافًا في الوعي أكثر مما تعيش اختلافًا في الاتجاه. هناك من يرى في المؤسسات فضاءً للنقاش والتطوير والتصحيح، وهناك من يعتبرها ظلًا لمؤامرة دائمة. الأول يطرح الأسئلة ليجد حلولًا، والثاني يطرح الشكوك ليبرر العجز. والسؤال: أي وعي نحتاج لتقوية مسارنا الديمقراطي؟
الجواب واضح: وعي يربط الحقوق بالواجبات، ويجعل الكلمة مسؤولية لا فوضى.

ولأن الإعلام هو المرآة التي ينعكس فيها هذا الصراع الفكري، فقد أصبح أخشيشن، بطريقة غير معلنة، “العدو الخفي” لكل من يخشى المحاسبة. لمجرد أنه يدافع عن مهنية القطاع، ويكشف الخروقات بدل أن يصفق لها، وينبه إلى أن حرية الصحافة لا تعني إعفاءها من القانون ولا من أخلاقيات المهنة. بل يعتبر أن حماية الإعلام تمر عبر معالجة أعطابه، لا عبر مهاجمة من يطالب بتنظيمه.

إن واقع الإعلام اليوم لا يحتمل المجاملات. حقوق آلاف الصحافيين مهدورة، عدد من المقاولات الصحفية مهدد بالإغلاق، والمهنة برمتها تواجه مرحلة حرجة تتراجع فيها الثقة وترتفع فيها المغامرة. ومع كل محاولة لإرساء نظام مضبوط للمساءلة والشفافية، يظهر من يلوّح براية الدفاع عن الحرية بينما يخفي مصالح ضيقة لا علاقة لها بالحق في المعلومة أو واجب تنوير الرأي العام.

لا يمكن لبلد يطمح إلى إعلام وطني قوي أن يقبل بمنطق القيادة من الهوامش، أو بالافتراض أن الديمقراطية تمنح امتيازًا لمن يرفض أبسط قواعد المشاركة المؤسسية. فالمواطنة لا تُختبر بالصوت المرتفع، بل بالقدرة على البناء المشترك واحترام منطق الدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.