تعرض الزميل “عادل العود”، مراسل جريدة أصوات ب”سيدي سليمان”، أمس، لاعتداء شنيع من قبل أحد أعضاء المجلس الإقليمي ب”سيدي سليمان” بمعية مجموعة من بلطجيته. الأمر الذي نتج عنه حدوث إصابات في أنحاء عدة من جسده.
واقعة مؤسفة تمس حرية الصحافة وكرامة الفعل الإعلامي، من خلال إقدام المسمى “مصطفى الصفر”، النائب الأول لرئيس المجلس الإقليمي ل”سيدي سليمان”، رفقة مجموعة من البلطجية، بالاعتداء على الزميل الصحافي، أثناء تغطيته الميدانية لحادثة سير كان المعني بالأمر طرفا فيها.
وإيمانا منا بأن العمل الصحافي والفعل الإعلامي لا يمكن أن يرتقي ويتطور في غياب فضاء الحرية، إضافة للتنزيل الفعلي للأسس الدستورية والقانونية المرسخة لهذا الحق، وأيضا التشريعات الدولية المؤكدة على ضمان حرية التعبير عن الرأي والممارسة الإعلامية، والمشددة أيضا على ضرورة حماية الصحافيين والصحافيات أثناء مزاولتهم لمهامهم الإعلامية وضمان تسهيل أداء هاته المهام.
واعتبارا لكون الاعتداء لم يطل الزميل “العود” فقط بل طال كل الجسم الإعلامي والدستور المغربي والقوانين ذات الصلة، وأيضا التوجيهات الملكية السامية التي تنص على تجويد المشهد الإعلامي وإمداده بعناصر القوة التي تمكنه من أداء واجبه بقوة وروح انفتاح خدمة لقضايا الوطن والمواطنين، وبثرا لكل المعطلات التي تعوق خط سيره الطبيعي من أعداء الديمقراطية والوطن والقيم الدستورية المثلى في المملكة المغربية الشريفة.
ووفق المعطيات الميدانية التي عاينتها السلطات المحلية وعدد كبير من الشهود، فقد كان الزميل “العود” يقوم بواجبه المهني في توثيق ظروف وملابسات حادثة سير كان المسؤول الجماعي الإقليمي طرفا فيها، ليتعرض عقبها لهجوم مباغت من طرف المسؤول الجماعي و”البلطجية” المرافقة له، حيث انهالوا عليه بالضرب والركل والسب، مما تسبب له في إصابات بمناطق مختلفة من جسده.
ونتيجة لصعوبة الحالة وشدة وقوة الاعتداء، فقد تم نقل الزميل “العود” إلى المستشفى الإقليمي ب”سيدي سليمان”، حيث خضع لفحوص طبية دقيقة، منها تصوير بالصدى (سكانير)، لتقييم حجم الإصابات الجسدية التي تعرض لها وتحديد مدة العجز، وفق تقرير طبي رسمي من المنتظر أن تتم إحالته على الجهات القضائية المختصة.
الاعتداء الذي قاده ببطولة الخرقان المدعو “مصطفى الصفر”، النائب الاول لرئيس المجلس الإقليمي ل”سيدي سليمان”، رفقة “بلطجية” من مرافقيه تأتمر بأوامره، وذلك أثناء أداء الزميل “العود” لواجبه المهني في تغطية ظروف ووقائع حادثة سير كان بطلها المسؤول الجماعي الإقليمي، الأمر الذي أدى لإصابته إصابات مباشرة صعبة في تصرف يحيل على الشكل التدبيري الذي يضطلع به هذا “المسؤول”.
وإننا إذ ندين هذا الاعتداء الأرعن، نؤكد وقوفنا إلى جانب الزميل “العود” ونحمل السلطات الامنية والقضائية مسؤولية إيقاف التعدي على الأفراد والصحافة، وضرب سلطة القانون والدستور ممن من المفترض أن يكونوا حماة للمؤسسات وللقوانين، والذين تحولوا لبلطجية تمارس التعنيف والضرب والسب والشتم بأوسخ الأساليب التي قطع معها المغرب بلا رجعة، مرسخا تحت قيادة جلالة الملك، محمد السادس، نصره الله، دولة الحداثة والقانون والحقوق والمؤسسات.
فما لحق الزميل “العود” هو اعتداء أرعن ليس على شخصه فقط، بل على الجسم الصحافي برمته، وعلى الدستور المغربي الذي يضمن حرية الرأي والتعبير، وعلى التوجيهات الملكية السامية التي تدعو إلى الارتقاء بالمشهد الإعلامي وتحصينه من كل أشكال الترهيب، إيمانا منا بأن حرية الصحافة ليست منة من أحد، بل حق دستوري ومكسب وطني لا يمكن المساس به تحت أي ذريعة، وأن الاعتداء على الصحافة والصحافيين والحريات في مملكتنا الشريفة خط أحمر.
ونؤكد أيضا حقنا في التصدي لهذا الخرق للقانون والدستور والمواثيق والعهود الدولية الكافلة لهذا الحق، وبالتالي متابعة هذا اللامسؤول الجماعي الإقليمي قضائيا، ليس على الاعتداء على الزميل فقط، بل أيضا على القانون والدستور والمؤسسات من موقعه الشخصي ومن موقع مسؤولياته الجماعية.
ونشدد على أن من يعتدي على الأفراد وعلى الدستور والقانون لا يمكن بالمطلق أن يؤتمن على مصالح الناس وأن يعبر عن مطالبهم ومطامحهم، بل من الواجب بثره قضائيا وأيضا شعبيا خلال الاستحقاقات الانتخابية لكونه لا يشرف المغرب ولا المؤسسات الدستورية، بما ان ممارساته تنتمي لعصر السيبة البائد، في وقت تخوض فيه بلادنا معارك وطنية كبرى وتحقق انتصارات عظيمة كان آخرها النصر المحقق من قلب مجلس الأمن الدولي، فضلا عن تمتع بلادنا بصيت عالمي باعتبارها ضامنة لحقوق الأفراد والجماعات وواجباتهم، ليأتي طفيلي من خفافيش ظلام الأزمات الجاهل بالأسس القانونية والدستورية فيصيب هاته السمعة بشخبطة من شخابيط سوء التدبير والتسيير، ويتحول مع بلطجيته إلى رمز من رموز “الفهلوة” وقتل الحقوق من خلال تمريغها في وحل “البلطجية” والدوس عليها، اعتبارا لكون الفعل يعتبر اعتداء على أركان وأعمدة الدولة المغربية الحديثة كما أرساها جلالة ملكنا المفدى نصره الله وأيده.
الاعتداء بين الوقائع والنصوص
تجدر الإشارة إلى أن “الفصل 400 من القانون الجنائي المغربي” يجرم الضرب والجرح العمديين، ويشدد العقوبة إذا تم ارتكابها ضد شخص أثناء أداء مهامه.
وحدد ذات الفصل العقوبات ذات الصلة بجريمة الضرب والجرح أو أي عنف آخر يسبب مرضا أو عجزا لمدة لا تتجاوز عشرين يوما، بالقول: “من ارتكب عمدا ضد غيره جرحا أو ضربا أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء، سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية، أو نتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته عشرين يوما، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة مع الغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
كما أن “الفصل 263 من نفس القانون” ينص على معاقبة كل من أهان موظفا عموميا أو شخصا مكلفا بمهمة أثناء قيامه بمهامه، بما في ذلك رجال القضاء ورجال القوة العمومية، أثناء قيامهم بوظائفهم أو بسببها، تتراوح العقوبة بين الحبس من شهر إلى سنة مع الغرامة.
الخلفية القانونية والدستورية
يكفل الدستور المغربي لعام 2011 في فصله 28 حرية الصحافة والإعلام، مؤكدا أن “الصحافة لا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية”، ضامنا بذلك حرية الممارسة الصحافية، مانعا كل أشكال الرقابة القبلية عليها، مؤكدا على أن لكل فرد الحق في التعبير ونشر الأخبار والأفكار والآراء بحرية تامة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
كما تنص المواثيق الدولية، ضمنها المادة 19 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” على الحق في التعبير والإخبار دون خوف من الانتقام أو العنف، كافلة بذلك لكل شخص الحق في اعتناق آراء دون مضايقة، والحق في حرية التعبير، والتي تشمل حرية التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار دون اعتبار للحدود.
وفي السياق ذاته، يلزم “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الدول الأعضاء، ومن ضمنها المغرب، بضمان حرية التعبير والإعلام وحماية الصحافيين من أي تهديد أو اعتداء أثناء أداء مهامهم.
مسؤولية منتخبة وسلوك بلطجي
الاعتداء الذي صدر عن مسؤول منتخب يفترض أن يكون ممثلا للمواطنين وحاميا للمصلحة العامة، يطرح سؤالا جوهريا حول أخلاقيات المرفق العام والمسؤولية السياسية للمجالس المنتخبة.
فبدل أن يكون الفاعل الجماعي نموذجا في احترام القانون، تحول إلى طرف منتهك له بل وممارس للبلطجة، وهو ما يستوجب تفعيل المتابعة القضائية والإدارية، انسجاما مع مقتضيات “القانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الترابية”، الذي ينص في مادته 67 على إمكانية عزل أي عضو من المجلس إذا ارتكب أفعالا تخل بالاحترام الواجب للمؤسسات أو تمس بالثقة العامة.
وعموما، فالاعتداء على الصحافيين أثناء أداء مهامهم هو جريمة مزدوجة، لكونها تمس حرية الإعلام وتضرب مبدأ سيادة القانون في الصميم، وهو ما يستوجب المتابعة القضائية وإعمال القانون بعيدا عن الصفة والمنصب، ترسيخا لمبدأ عدم الإفلات من العقاب في مثل هاته القضايا التي تعتبر اختبارا حقيقيا لمدى احترام الدولة للمكتسبات الحقوقية والدستورية، فمن يقوم بالاعتداء على الصحافي يعتدي على حق المجتمع في المعرفة والمعلومة.
ومن هذا الموقع نؤكد، تضامننا الكامل مع الزميل “عادل العود”، ونعلنها للمرة الثانية عزمنا على مباشرة المتابعة القانونية ضد المعتدي ومن معه، وفق ما يخوله قانون الصحافة والنشر رقم 88.13، الذي يضمن حماية الصحافي أثناء مزاولة مهامه، لأن الاعتداء على الصحافة هو اعتداء على روح الدستور والمؤسسات والديمقراطية، وإن صمت الجهات الوصية سيعتبر سابقة خطيرة تهدد حرية الإعلام في المغرب، البلد الذي يكرس في ظله جلالة الملك محمد السادس نصره الله دولة الحق والقانون والمؤسسات.
ولنا عودة للموضوع لاحقا.