أصبحنا نعيش في زمنٍ تسلّل فيه الكلام الفاحش إلى تفاصيل حياتنا اليومية، حتى غدا مألوفًا على ألسنة مراهقين ومراهقات لم يغادروا بعد عتبة البراءة. كلمات تخجل الآذان من سماعها، تُقال بلا وعي ولا خجل، وكأن البذاءة تحولت إلى مقياس للجرأة والفصاحة.
فأين يكمن الخلل؟
أهو في غياب التربية الأسرية؟ أم في التأثر الأعمى بمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أن المجتمع نفسه بات يتسامح مع الانحدار الأخلاقي، ويغضّ الطرف عن القبح باسم “الحرية” و“الانفتاح”؟
لقد أصبح التفوّه بألفاظ نابية ظاهرة مقلقة، لا حالات معزولة. فتيان وفتيات في عمر الزهور يتسابقون في إطلاق الكلمات الجارحة، دون إدراك لخطورتها أو أثرها في نفوسهم ونفوس من حولهم. وكأن الاحترام صار ضعفًا، واللباقة تهمة، بينما يُكافأ الانفلات بالمشاهدات والإعجابات.
يلعب الإعلام الرقمي ومنصات التواصل دورًا محوريًا في تكريس هذه الظاهرة، إذ تُقدَّم قدوات زائفة تتباهى بالخطاب الهجومي والسلوك المستفز، فيقلّدها المراهقون بحثًا عن “ترند” جديد، لا عن قيمة أو معنى. وفي المقابل، يبدو المجتمع في موقف المتفرّج؛ فالعيب أصبح مسألة نسبية، والاحترام عملة نادرة، والآباء في كثير من الأحيان عاجزون عن ضبط سلوك أبنائهم وسط فوضى القيم.
فما الحل إذن؟
إن مواجهة هذه الظاهرة لا تكون بالإنكار أو التبرير، بل بالعمل الجاد والمسؤول، وذلك من خلال:
1 إعادة الاعتبار لدور الأسرة التربوي وبناء جسور تواصل حقيقية مع الأبناء قائمة على الحوار والاحتواء.
2 ممارسة رقابة ذكية وواعية على المحتوى الرقمي الذي يتعرض له المراهقون.
3 تعزيز دور المدرسة والإعلام في ترسيخ القيم الأخلاقية والسلوك الحضاري.
4 التوقف عن تبرير الكلام القبيح تحت ذريعة “صغار ويتعلمون”، لأن ما يُتسامح معه اليوم يصبح عادة غدًا.
في الختام، إن الكلمات التي نسمعها اليوم من أفواه المراهقين ليست مجرد ألفاظ عابرة، بل مؤشرات خطيرة على أزمة تربوية وثقافية عميقة. أزمة تستدعي وقفة صادقة ومسؤولة، قبل أن نجد أنفسنا أمام جيل يفتخر بالقبح ويخجل من الجمال.
الكلام الفاحش يخرج من أفواه مراهقينا للاسف أرواح بريئة تلوثت.