أخبار عاجلة
    prev next

    فاطمة أوفقير من ترف القصر إلى غيابات السجن

    عبد الصمد الصدوق

     

    تنطلق فاطمة أوفقير في سيرتها الروائية المصنفة ضمن أدب السجون تحت عنوان “حدائق الملك” لسرد تفاصيل حياتها بدءا من طفولتها في الريف لتنتقل من حياة البساطة إلى حياة الرخاء بعد زواجها برجل من الأعيان صديق والدها ويدعى محمد أوفقير، حيث كان زمنئذ ضابطا رتيبا في الجيش قبل أن يترقى إلى منصب وزير الدفاع فيما بعد، وسيتزوج بها وهي طفلة في الرابعة عشرة من العمر ولاتزال تلهو بالدمى، سترحل وتودع حياة البدو في الريف، لتلج الى عالم آخر زاخر بالمغريات والرفاهية يختلف كليا عن عالمها السابق وما يعنيه من شقاء وشظف.

    انقطعت فاطمة عن الدراسة في سن مبكرة لظروف اجتماعية قاهرة، لتعلمها الحياة أعتى دروسها على الإطلاق ودخلت من باب أوسع إلى معمعة حياة لا يحياها إلا المترفون، تحت لواء زوجها الشهم الذي كان له شأن كبير في زمانه، وقد ساعدها على التأقلم والاندماج في المحيط العائلي الجديد داخل قصر الأسرة الملكية في عهد الملك الجليل المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه.

    ترعرعت فاطمة في كنف الأسرة الملكية سنوات طويلة وقاسمت معها اللحظات السارة والحزينة، وسرعان ما انصهرت في البيئة الجديدة تلك وما تتطلبه من الأمانة والتعقل وتوخي الحذر والتخلي عن السذاجة التي كانت من طباعها القديمة.

    وكان المغرب وقتئذ يعيش أجواء مشحونة بالتوتر والقلاقل والصراعات السياسية مع المستعمر الفرنسي، الذي كان يدير الشؤون الداخلية للبلاد وبدأ يبسط نفوذه على مختلف الأقاليم في فترة ما قبل الاستقلال.

    ستعيش فاطمة من جانبها مرحلة حاسمة يطبعها التوتر والألم والمعاناة، وتحديدا عندما توفي محمد الخامس واعتلاء نجله الحسن الثاني كرسي العرش في أواخر ستينيات القرن الماضي.
    ستأتي مرحلة عصيبة ستنقلب حياتها رأسا على عقب، مباشرة بعد الانقلاب العسكري على الملك الراحل الحسن الثاني بقصر الصخيرات عام 1971، حيث كان أوفقير وقتها من الجنرالات الكبار إلى جانب محمد أعبابو الذي كان يشرف على إدارة مدرسة “أهرمومو” العسكرية وكانا وراء تدبير هذا المخطط الرهيب.

    وفي خضم هذه الأحداث الدموية المتشنجة التي خلفت كوارث إنسانية بالجملة خلال فترة ستظل تعرف بسنوات الجمر والرصاص، وسيتم اعتقال الكثير من الجنود والضباط الذين شاركوا في هذا الانقلاب والزج بهم في سجون عدة منها “تزممارت” وهو المعتقل الذي مات فيه حوالي 35 سجينا عسكريا، بسبب بشاعة ظروف العذاب والتنكيل.

    فاطمة بدورها لم تسلم من بطش الاعتقال السافر فقد تم إبعادها وأولادها الأربعة، ليس بسبب انتماء زوجها إلى الجيش فحسب ولكن لضلوعها بالكثير من الأسرار بما في ذلك أحوال القصر التي عاشت جل أحداثها عن كثب، وعرضها هذا الزخم كله للاستنطاقات المتكررة من طرف رجال المخابرات وأعوان السلطة خاصة بعد مصرع زوجها الذي كان قد قتل برصاصة في رأسه، بينما البعض كان يزعم انتحاره بعد فشل الانقلاب.

     

    وفي أعقاب هذا التسلسل الحاسم للأحداث السياسية بالمغرب سيتم نقلها إلى الصحراء وحجزها هناك مدة طويلة، قبل أن يتم ترحيلها إلى معتقل آخر أسوأ بكثير وعانت خلال سنوات سجنها من العزلة والحرمان والمعاناة والتشرد والجوع والآلام والأسقام، وقضت في ذلك ما يقارب 20 عاما قبل أن ينجح أبناؤها في حفر نفق من الزنزانة حيث اعتقلوا ويفضي بهم إلى الخارج، وكانت تلك ولادة جديدة ونهاية مشرفة لقصة أليمة تفوق المألوف، وتحكي عن حياة امرأة مغربية مناضلة غاية في الصمود والتحدي، بعد أن قاومت كل الصعاب في وجه الظلم والظلام واستطاعت أن تترك أثرا بارزا للذكرى المؤلمة في تاريخ المغرب قبل وبعد الاستقلال.

    اترك رد

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

    أخبار عاجلة
      prev next